الأهم في برامج «الرؤية»

تؤدي الخدمات اللوجستية دورا مهما في تنمية التجارة محليا وعالميا، وتزايدت أهميتها بتزايد حجم التجارة الإلكترونية، التي تجاوزت الحدود الجغرافية، وجعلت شراء المنتجات من السوق العالمية متاحا لمن هو في أقصى شمال الكرة الأرضية، ليشتري من تاجر يقع في أقصى جنوبها بمجرد ضغطة زر، بعد إدخال رقم بطاقته الائتمانية، ليجد ما طلبه عند باب منزله خلال أيام قليلة أو حتى ساعات معدودة.
والخدمات اللوجستية تقدمها شركات أعمال لشركات أعمال مثلها؛ ولذا فهي تختلف عن الخدمات الأخرى التي تقدمها قطاعات الأعمال للمستهلكين مباشرة، مثل: خدمات التعليم، والصحة، والنقل بالطيران أو الباصات، أو حتى الخدمات البسيطة كالسباكة والحياكة والكهرباء، وغيرها، فالأخيرة خدمات فقط، ولا تسمى خدمات لوجستية.
ورغم أن الخدمات اللوجستية عمادها النقل، إلا أنها فعليا تتجاوز النقل، وتضم كل الخدمات، من إنتاج السلعة في المصنع، حتى وصولها إلى يد المستهلك النهائي، فهي تتضمن الشحن والتخزين والتأمين والتخليص الجمركي والتعبئة والتغليف والتسليم، وغيرها من الأنشطة الأخرى. ويرى البعض أن الخدمات اللوجستية تقتصر على نقل المنتج من نقطة معينة في سلسلة الإمداد Supply chain إلى النقطة التالية بطريقة سريعة وكفؤة، "وعموما أصبح المصطلحان يستخدمان بمعنى واحد، ولم يتم التفريق بينهما في هذه المقالة".
مناسبة هذا الكلام هي رعاية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يوم الإثنين الماضي إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، ولا شك أن هذا البرنامج يعد اقتصاديا، وهو أهم برامج "الرؤية" الـ 13، التي تم إطلاقها إلى اليوم، وبالتأكيد فإن ربط تطوير الصناعة بتطوير الخدمات اللوجستية في برنامج واحد أمر جيد، وتتطلبه المرحلة لتحقيق عدد من أهداف "الرؤية"، فلا يمكن "رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي"، ولا "ارتفاع حجم الاقتصاد وانتقاله من المرتبة الـ 19 إلى المراتب الـ 25 الأولى"، أو "رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من 3.8 في المائة إلى المعدل العالمي 5.7 في المائة"، وغيرها من الأهداف المعلنة في "الرؤية" - لا يمكن تحقيق هذا ما لم تتحسن وتتطور الخدمات اللوجستية التي وعدت "الرؤية" بـ "تقدم ترتيب المملكة في مؤشرها من المرتبة الـ 49 إلى الـ 25 عالميا، والأولى إقليميا".
وبالعودة إلى مؤشر المملكة للخدمات اللوجستية، الذي يصدره البنك الدولي كل عامين، نجد أن المملكة تحقق مراكز دون المتوسط، فتصنيفها جاء في المرتبة الـ 49 عالميا في 2014، والـ 52 في 2016، وتأخرت إلى المرتبة الـ 55 في 2018، ولهذا فإن تحسين مرتبة المملكة اليوم أصعب منه أيام إطلاق "الرؤية"، فنحن نحتاج إلى التقدم 20 مركزا خلال عشر سنوات تقريبا لنكون في المركز الـ 25 بحلول 2030، وهذا يعد تحديا كبيرا أمام كل الجهات الحكومية والخاصة المشاركة في برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
أما ما يخص تطوير الصناعة، فالأمر أيضا يحتاج إلى جهود استثنائية وضخمة، فالصناعة البتروكيماوية لدينا ما زالت منتجات خاما، وبالتالي فلا يمكن التعويل عليها كمصدر ثابت للإيرادات؛ لأنها تنخفض مع انخفاض النفط، وترتفع مع ارتفاعه، وأما الصناعات غير البتروكيماوية فما زالت صناعات بسيطة، لا تتجاوز الصناعات الغذائية والكرتون والبلاط والأسمنت، وكلها تحتاج إلى كثير لرفع القيمة المضافة فيها. كما يجب أن يستخدم صندوق الاستثمارات العامة قوته وسمعته لجلب شراكات أجنبية؛ للبدء بصناعات متطورة ومرتفعة القيمة المضافة، تضمن استمرار تدفق العملة الصعبة إلى إيرادات البلد.
والخلاصة: إن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية يهدف إلى تطوير أربعة قطاعات رئيسة، هي: الطاقة، والصناعة، والتعدين، والخدمات اللوجستية، ويمس كل أهداف "الرؤية" مباشرة، وبالتالي فالبرنامج تنموي متكامل، سينعكس على نمو الاقتصاد السعودي بشكل كبير، ولذا فإن هذا البرنامج يجب ألا يسمح فيه بالتراخي والتأخير والتسويف وقبول الأعذار، فالأهداف الكبيرة تحتاج إلى جهود استثنائية كبيرة، ومتابعة ومحاسبة صارمة لتحقيقها، والتوفيق بيد الله سبحانه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي