الأمن المائي في العالم العربي
لن نجد على الأرض مكانا يعاني ندرة المياه العذبة أكثر من العالم العربي فالمنطقة موطن لأغلب دول العالم الأكثر فقرا من حيث الموارد المائية. ويلقي هذا النقص - المتفاقم بفعل الانفجار السكاني، ونضوب وتدهور النظم البيئية الطبيعية، والسخط الشعبي - بظلاله القاتمة على مستقبل هذه البلدان.
والتحديات التي تواجه العالم العربي وفيرة. فالدول العربية كيانات حديثة، اخترعتها القوى الاستعمارية عند رحيلها، ويبدو مستقبل عديد من هذه الدول محاطا بالشكوك وعدم اليقين، ويبدو أن قلة من المراقبين يدركون كيف تسهم ندرة المياه في إدامة حلقة العنف. كان أحد المحركات الرئيسة لثورات الربيع العربي - ارتفاع أسعار الغذاء - مرتبطا مباشرة بأزمة المياه المتفاقمة في المنطقة، كما تغذي ندرة المياه التوترات بين الدول.
وتشكل معدلات الخصوبة المرتفعة إلى عنان السماء مصدرا آخر للضغوط. فوفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، ربما يهبط متوسط معدل توافر المياه السنوي في العالم العربي إلى 460 مترا مكعبا للفرد - وهذا أقل من نصف عتبة الفقر المائي عند مستوى ألف متر مكعب. وفي هذا السيناريو، يصبح استخراج المياه أقل استدامة مما هو عليه الآن بالفعل، مع استنزاف مخزونات محدودة بسرعة أكبر من أي وقت مضى - وهو الوضع الذي قد يغذي مزيدا من الاضطرابات.
وأخيرا، تقدم دول عديدة إعانات دعم خاصة بالمياه، ناهيك عن البنزين والمواد الغذائية، في محاولة لشراء السلم الاجتماعي، ولكن مثل هذا الدعم يشجع الممارسات المسرفة، ويفضي إلى التعجيل باستنزاف الموارد والتدهور البيئي.
باختصار، أصبح العالم العربي حبيسا - على نحو متزايد - داخل حلقة مفرغة؛ إذ تؤدي الضغوط البيئية والديموغرافية والاقتصادية إلى تفاقم ندرة المياه، ويعمل ما ينتج عن ذلك من بطالة وانعدام الأمن على تغذية التوترات الاجتماعية والاضطرابات السياسية والتطرف. وتستجيب الحكومات بزيادة إعانات الدعم للمياه، وغير ذلك من الموارد، وهو ما يعمل على تعميق التحديات البيئية التي تؤدي إلى تفاقم الندرة والاضطرابات.
والتحرك العاجل مطلوب الآن لكسر هذه الحلقة. فبادئ ذي بدء، ينبغي للدول أن تتخلص تدريجيا من المحاصيل الكثيفة الاستخدام للمياه، وأن تستورد الحبوب والبذور الزيتية ولحوم الأبقار من الدول الغنية بالمياه؛ حيث يمكن إنتاجها بقدر أكبر من الكفاءة والاستدامة.
أما عن المحاصيل التي تستمر الدول العربية في إنتاجها، فإن إدخال تكنولوجيات أكثر تقدما، والاستعانة بأفضل الممارسات من مختلف أنحاء العالم، قد يساعد على الحد من استخدام المياه. ومن الممكن استخدام تكنولوجيات الأغشية والتقطير لتنقية المياه الفاسدة والملوثة، وتكرير مياه الصرف الصحي، وتحلية المياه المالحة أو مياه المحيط. وقد يعمل الري بالتنقيط، الذي يتسم بدرجة عالية من الكفاءة، على تعزيز إنتاج الفاكهة والخضراوات في المنطقة، من دون استخدام مفرط للمياه.
تتمثل خطوة مهمة أخرى في توسيع وتعزيز البنية الأساسية للمياه؛ لمعالجة اختلالات التوازن الموسمية في توافرها، وتحسين كفاءة التوزيع، وتجميع مياه المطر، وبالتالي فتح مصدر إضافي للإمدادات. الآن، تعمل الأردن، بمساعدة من الاتحاد الأوروبي، على مد خط أنابيب من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهي القناة التي يفترض أن تنقل مياه البحر الأحمر المحلاة؛ لتزويد الأردن وإسرائيل والمناطق الفلسطينية بمياه الشرب، ومن ثَمّ توجيه المياه المالحة إلى البحر الميت المحتضر.
كما يشكل تحسين إدارة المياه أهمية بالغة. وتتلخص إحدى الطرق لتحقيق هذه الغاية في تسعير المياه بشكل أكثر تناسبا، وهو ما يوجد الحافز لمنع الهدر والحفاظ على الإمدادات. وفي حين لا يجب إلغاء إعانات الدعم بالكامل، لا بد أن يجري توجيهها نحو صغار المزارعين أو غيرهم من العاملين من ذوي الاحتياجات المرتفعة، وإعادة تصميمها بحيث تعمل أيضا على توفير الحافز؛ للحفاظ على المياه ورفع كفاءة استخدامها.
لا شك أن الدول الغنية والمستقرة، مثل السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، في وضع أفضل من الدول التي تمزقها الصراعات، مثل اليمن وليبيا والعراق، بما يسمح لها بمعالجة أزمة المياه المتزايدة الحدة التي تواجهها، ولكن كسر حلقة العنف وانعدام الأمن يستلزمان قيام كل الدول في نهاية المطاف بتعزيز سبل تحسين إدارة المياه، وحماية النظم الإيكولوجية البيئية. وإلا فإن محنة نقص المياه - جنبا إلى جنب مع الاضطرابات الداخلية - لن تزداد إلا سوءا.
خاص بـ " الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت