Author

كيف نتعامل مع سلوكيات أبنائنا؟ «2»

|

ما زلنا في موضوع السلوكيات الشاذة للأبناء والبنات، وعندما نقول سلوكيات شاذة، لا نقصد بذلك انحرافا أخلاقيا أو شذوذا جنسيا أو نفسيا، بل نقصد أن هناك أنماطا للسلوكيات متعارفا عليها، فهناك الشخصية المحفزة، والمرحة، والمتعاونة، والمعتدلة، وغيرها. وأغلب الناس يتم تصنيفهم بناء على هذه الأنماط السلوكية، إلا أن هناك مجموعة يخرجون عن هذه القاعدة، ينظر إليهم علماء النفس والتربية على أنهم شذوذ عن القاعدة؛ حيث إن نمط شخصية هؤلاء يختلف عن نمط شخصية السواد الأعظم من الناس، لهذا أطلق عليهم أصحاب السلوكيات الشاذة.
وقد تطرقت في مقال سابق عن عدة أنماط للشخصيات الشاذة للأولاد والبنات، وكيفية التعاون معها، فذكرت أن هؤلاء لا يستطيعون التكيف مع بقية أفراد الأسرة، أو في المحيط الخارجي خارج نطاق الأسرة؛ بسبب نمط شخصيتهم التي تختلف عن البقية، وبهذا فهم يمثلون مصدر قلق وتعب للآباء والأمهات، ويحتاجون إلى تعامل خاص، ومن أمثلة هؤلاء الابن المتذمر، والمغرور، والفائق الحساسية، والعنيد، والقلق. وفي مقال سابق، ناقشت الشخصيتين المغرورة والعنيدة، وفي هذا المقال سأكمل بقية أنماط الشخصيات الشاذة، ولعلنا نبدأ بالشخصية الحساسة.
الابن الحساس هو الذي يتأذى شعوره بأقل عبارة يسمعها، فيتوهم أنها تسيء إليه، ويظل يفكر فيها، ويعطيها أكثر من حجمها، ويؤول كلام الناس ويفسره على أنه يسيء إليه، وأنهم يقصدونه. وعادة ما تكون الشخصية الحساسة ذات قدرات عالية، محبة للإنصاف وتحقيق العدالة؛ لذا نجده يرسم لنفسه مستويات عالية من الانضباط والإنجاز، ومُثُلا عليا في التعامل والأخذ والعطاء، يفرضها على نفسه، ويرى أن التمرد عليها نوع من الفوضى ومساس بالقيم والخروج عن المألوف. ورغم أنه يحسب لكلام الناس، ويرى رأيهم تقييما له، إلا أنه وفي الوقت نفسه يسوؤه أن يرى غيره غير متمسك بتلك المستويات أو المثل العليا التي فرضها على نفسه.
ولمعالجة هذا السلوك الشاذ إذا ظهر في شخصية الابن، على الأب أن يبين لابنه الحساس أن تعليقات الناس لا تحمل دائما الإساءة إليه، بل إن كثيرا منهم لا يقصدون ما يقولون، ولديهم أعمال ومشكلات وهموم تشغلهم عن التفكير في زيد أو عمرو. وعلى الأب أيضا أن ينمي في ابنه أن يكون عصيا على النقد، خصوصا النقد الظالم الذي لا يعكس الواقع.
وهناك الابن العنيد، وهو الذي يمتنع عن القيام بتصرف ما لوجود سبب كامن في نفسه يمنعه من ذلك، وجهلنا بهذه الأسباب يجعلنا نصنف هذا النوع من الأبناء بالعنيد. ومن الأسباب الكامنة في الابن نفسه وتمنعه من تلبية طلبات والديه شعوره بعدم تقدير من حوله لجهوده، فيقابل ذلك بعد احترام أوامرهما، وقد يكون السبب تكليفه بأعمال أقل من قدراته، فيرى أن هذا استحقار له، أو تكليفه بأعمال يرى أنها غير مناسبة له كذكر، بل هي من مهام الجنس الآخر، فيمتنع عن أدائها. الحل الوحيد لهذا النمط يتمثل في معرفة سبب العناد، وذلك بالجلوس معه (الابن أو البنت)، ومناقشته في الأمر، ومعرفة السبب، وإقناعه بعدم منطقية امتناعه وعناده.
آخر هذه الأنماط هو الابن القلق، وهو عادة ما يكون مهموما ومترددا وغير مستقر على أمر بعينه. وكثير ما يكون عصبي المزاج، ولو ترك على حاله فقد يتزايد قلقه، لذا يجدر بالأهل أن يمدوا له يد العون، ولكي تقل حالات القلق في العائلة إلى أدنى حد، يجدر برب الأسرة أن يقيم علاقات مودة بينه وبين جميع أفراد أسرته، وعليه أن يصنف أبناءه، ويعرف بالضبط مَن منهم أقرب إلى أن يكون شخصية قلقة في المستقبل ليتبنى العلاج الوقائي مبكرا. كما عليه أن يكون لماحا، فيتعرف على أعراض القلق التي تصيب النشء، خصوصا في هذا العصر الذي نعيشه، فالقلق مرض نفسي خطير، يجلب معه الوساوس والكآبة وغيرهما من الأمراض النفسية المهلكة، وتمكُّنه من نفسية الأبناء والبنات يعيقهم بالفعل عن تحقيق غاياتهم.
وهناك أسباب كثيرة ينشأ منها القلق عند الأبناء، منها حيرة بعضهم في أداء واجباتهم، أو صعوبة بعض المواد الدراسية وعدم قدرتهم على استيعابها، وقد ينشأ القلق نتيجة سوء علاقتهم بإخوانهم في المنزل أو أقرانهم في المدرسة. وقد ينشأ القلق أيضا نتيجة إحساس الابن أن والده يعاني أزمة مالية، أو سوء علاقة الوالدين معا، فالأبناء يستشفون بسهولة سوء العلاقة بين الوالدين حتى لو حاولا إخفاء ذلك.
لذا على الأب ألا يتحدث عن الصعوبات المالية أمام الأبناء؛ لأن هذا سيؤدي إلى انعكاسات نفسية مدمرة عليهم، كما عليه ألا يناقش سوء علاقته بزوجته أمام أبنائه، ولكن تتم بينهما بطريقة ثنائية. ولكن وفي الوقت نفسه على الأب كذلك ألا يرسم في أذهان بنيه وبناته أن علاقته بزوجته وبمن حوله نموذجية ومثالية، فلا توجد تنظيمات مثالية في هذا الكون سوى خلق الله -سبحانه وتعالى- أما التنظيمات الأخرى والعلاقات، ومنها التجمعات الصغيرة كالأسرة والعائلة، ففيها إيجابيات وسلبيات، وتمر بنجاحات وإخفاقات.
هذه بعض السلوكيات الشاذة للأولاد والبنات، عرضت ما يراه أهل الخبرة في مقالين منفصلين، لعلنا نستفيد منها ونتعامل مع أبنائنا بشيء من المهنية.

إنشرها