هل يعيد التاريخ نفسه في أسواق النفط؟
في عام 2014، كان إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ينمو بسرعة كبيرة، حيث انتهى المطاف بانهيار أسعار النفط. الآن، هل يمكن أن يتكرر التاريخ نفسه. كان هذا هو التحذير من وكالة الطاقة الدولية، التي قالت في آخر تقرير لها عن أسواق النفط "الموجة الثانية" من إمدادات النفط الصخري تهدد انكماشا آخر في أسواق النفط، حيث من المتوقع أن ينمو إجمالي المعروض العالمي من النفط بشكل أسرع من الطلب هذا العام، ما قد يؤدي إلى تراجع آخر في الأسعار. هذا الاستنتاج حاولت وكالة الطاقة الدولية التأكيد عليه في تقاريرها السابقة، ولكن يبدو أن هذا التحذير انتهى إلى لا شيء.
الزيادة غير العادية في أسعار النفوط القياسية التي شهدتها الأسواق في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) على ما يبدو بدأت في الانحسار قبل نحو ثلاثة أسابيع. ويرجع السبب في ذلك إلى الاضطرابات السوقية الواسعة النطاق في أسواق الأسهم العالمية، ويرجع جزء من ذلك إلى أن صناديق التحوط وغيرها من مديري الأموال قد اشتروا بإفراط العقود الآجلة للنفط، ما يعرض السوق لتصحيح الأسعار. ولكن كما تشير وكالة الطاقة الدولية، فإن القلق الحقيقي هو ارتفاع المعروض من النفط، ما يعني أن أساسيات أسواق النفط الفعلية في مطلع عام 2018 تبدو أقل دعما للأسعار.
إلا أن ليس جميع الأخبار سيئة لأسعار النفط القياسية. حيث أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى أنه نتيجة تخفيضات الإنتاج من قبل منظمة أوبك وحلفائها والطلب القوي على النفط، أدى ذلك إلى انخفاض مخزونات النفط العالمية بمعدل ملحوظ في العام الماضي. ويبلغ فائض مخزونات النفط حاليا 52 مليون برميل فوق متوسط السنوات الخمس، بانخفاض حاد من 264 مليون برميل في العام الماضي. والأهم من ذلك أنه في حين أن مخزونات النفط الخام قريبة من متوسط السنوات الخمس، فإن إجمالي مخزونات البنزين والمنتجات المكررة الأخرى انخفض بالفعل إلى ما دون تلك العتبة. وأضافت الوكالة أنه مع تقلص الفائض بشكل كبير، فإن نجاح اتفاق خفض الإنتاج قد يكون قريب المنال. ولكن حتى مع وجود "توازن" قريب المنال في أسواق النفط، إلا أن الوكالة تقول إن الأمور قد تتراجع بسرعة.
السبب في احتمالية أن تعاني أسواق النفط وفرة متجددة في المعروض يعود إلى حد كبير إلى ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. ففي فترة الأشهر الثلاثة المنتهية في تشرين الثاني (نوفمبر)، أضافت الولايات المتحدة كميات كبيرة من الإنتاج بلغت 846 ألف برميل في اليوم، حسب الوكالة، والمكاسب هذا العام من المتوقع أن تكون حتى أعلى. وتأتي توقعات الأسعار الهابطة بعد أسبوع من قيام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بنشر تصريحات مماثلة وهو أن إنتاج النفط الصخري يرتفع بسرعة، حيث سيصل إنتاج الولايات المتحدة إلى 11 مليون برميل يوميا هذا العام بدلا من العام المقبل. وبحلول نهاية عام 2018، يمكن للولايات المتحدة أن تتجاوز روسيا والسعودية من حيث الإنتاج الكلي. وتقول وكالة الطاقة الدولية على ما يبدو أن جميع الأمور تسير في مصلحة النفط الصخري في الولايات المتحدة، حيث إن ارتفاع الأسعار قد يؤدي، بعد بضعة أشهر، إلى مزيد من الحفر، مزيد من عمليات إكمال الآبار، مزيد من الإنتاج، ومزيد من التحوط في الأسواق.
بعض هذه الأرقام والتوقعات كانت تتداول لبعض الوقت الآن، ولكن الوكالة وضعت الأمور بشكل صارخ. حيث تقول إن مسار النمو الحالي في إنتاج النفط الصخري يذكرنا بالموجة الأولى من نموه في الولايات المتحدة التي حققت مكاسب كبيرة من حيث حصتها في السوق، في نهاية موجة ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأولى من هذا العقد، وبعد منتصف عام 2014 أجبرت المنتجين الرئيسين على إحداث تغيير تاريخي في سياساتهم. ويمكن لنمو العرض من الولايات المتحدة وحدها أن يساوي إجمالي نمو الطلب العالمي المتوقع على النفط.
وبعبارة أخرى، فإن نمو النفط الصخري يمكن أن يؤدي إلى تحطم أسعار النفط مرة أخرى، والشيء الوحيد الذي يمنع الانهيار هو التزام "أوبك" وحلفائها باتفاق خفض الإنتاج. في عام 2014، قررت "أوبك" التخلي عن سياسة إدارة السوق، ما عجل بانهيار أسعار النفط. وقالت الوكالة إن هذا يعتبر وقتا صعبا بالنسبة للمنتجين الآخرين الذين يجلسون حاليا على طاقات إنتاجية مغلقة ويواجهون تحديا متجددا لحصتهم في السوق.
مع كل هذه العوامل الهبوطية، إلا أن انهيارا آخر في الأسعار ليس حتميا. الطلب على النفط يبدو قويا ويمكن أن يرتفع أكثر مما يفترض جميع المحللين. وفي الوقت نفسه، فإن تدهور فنزويلا السريع قد يؤدي أيضا إلى زيادة انقطاعات إمدادات النفط. إذا حافظت "أوبك" وحلفاؤها على مستويات عالية من الامتثال، فإن أسواق النفط يمكن أن تجابه الموجة الجديدة من إمدادات النفط الصخري، والعودة إلى وضع أكثر صعوديا في وقت لاحق من هذا العام حيث قوة الطلب تطغي على فائض الإمدادات.
ولكن، إذا كان الطلب مخيبا للآمال، أو إذا جاء مزيد من المعروض من أماكن غير متوقعة ـــ حيث إن إنتاج ليبيا بلغ أعلى مستوى له منذ خمس سنوات في كانون الثاني (يناير ) ـــ عندها قد تبدو الأمور متشائمة جدا. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي ارتفاع إمدادات النفط الصخري إلى عودة الانكماش الذي كان قائما منذ عدة سنوات. الزمن وحده كفيل بكشف كل هذا.