رؤية طموحة لطاقة متجددة

ينصب مفهوم الطاقة المتجددة لدى شريحة واسعة من المجتمع على الطاقات الحركية والكهربائية والشمسية وغيرها، والحقيقة أن المفهوم يمتد إلى كل طاقة عمل ناجزة طموحة ذات إرادة عالية، وعقل واع، يحول مكونات الطبيعة من حوله ــ بإذن الله ــ إلى ثروة عظيمة تتيح له الانطلاق والتقدم.
تزيد مساحة السعودية على مساحة ألمانيا وفرنسا مجتمعتين، بل إنها تعادل ثلث مساحة قارة أوروبا. وتمتلك المملكة كل مقومات النجاح في مجال الطاقة المتجددة، كما تتمتع بوفرة مصادرها، ففي مجال الطاقة الشمسية يبلغ معدل الإسقاط الشمسي المباشر خلال العام 2200 كيلو واط/متر مربع، وهو ضعف ما هو موجود في بعض الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، كألمانيا مثلا، كما أن متوسط سرعة الرياح في المملكة نحو 6ــ8 م/ث، وهو أعلى من المعدل المطلوب لعمل التوربينة الهوائية، ناهيك عن المنافذ والسواحل البحرية الطويلة الممتدة على الحدود الشرقية والغربية للمملكة، وهي ميزة للإنتاج المزدوج "الكهرباء والماء" من خلال الطاقة المتجددة وبتكلفة مناسبة، إضافة إلى ما يتوافر لدى المملكة من أهم موارد ومدخلات تصنيع الطاقة المتجددة كالسليكا والبتروكيماويات والمعادن وغيرها، حيث تستخرج من خام السيليكا مادة السليكون التي تصنع منها الخلايا الشمسية، والزجاج المستخدم بأنظمة الطاقة الشمسة. كما تعد المملكة ثالث أكبر مصدر للبتروكيماويات على المستوى العالمي. وما تتمتع به المملكة من وفرة العناصر المعدنية، وحسن إدارتها، جعلتها في صدارة قائمة أكبر المنتجين للألومنيوم في العالم.
يقول ألبيرتو فاليجو مدير إدارة مشروع الطاقة الشمسية في أكاديمية الطاقة المتجددة بألمانيا: "الربع الخالي لن يكون خاليا في المستقبل.. ذلك المكان الذي يستقبل من الشمس طاقة هائلة لا تنضب"، ويجاريه في القول رئيس اتحاد صناعة الطاقة المتجددة في الإمارات العربية المتحدة فاهيد فتوهي: "إن إجمالي أشعة الشمس التي يتلقاها الربع الخالي تكفي لتوليد طاقة تزود الأرض بضعف احتياجاتها من الطاقة".
وللمملكة خبرة تراكمية في مجال الطاقة المتجددة من خلال عديد من المشروعات التي قامت بتنفيذها، ومن أقدمها مشروع الطاقة الشمسية في بلدة "العيينة" الذي تأسس عام 1980، وهو مشروع بحثي تطبيقي ويعد من أقدم المشروعات في هذا المجال، وقد سبقت به المملكة كثيرا من الدول ذات الصدارة في مجال الطاقة المتجددة. واستمر هذا المشروع قرابة 20 عاما بالتعاون مع الجانب الأمريكي، ثم بإدارة وكوادر سعودية حتى اليوم. كما تم تأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة عام 2010 لبناء مستقبل مستدام للمملكة من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة الطاقة المحلية، والعمل قائم الآن على مشروع الطاقة الشمسة الكهروضوئية الصغيرة للربط مع شبكة توزيع الكهرباء، ومن المتوقع إطلاق المشروع منتصف عام 2018. وما زالت تلك الجهود مستمرة لتحقيق استراتيجية توطين الصناعة، وإعداد الدراسات والأبحاث التطويرية في مجال الطاقة المتجددة.
إن توافر مصادر الطاقة المتجددة في المملكة والخبرات التراكمية يفتح المجال كي تتصدر المملكة قائمة منتجي الطاقة المتجددة عالميا بلا منازع.
وتتجه شركات الطاقة العالمية نحو التنافس في مجال الطاقة المتجددة في سباق محموم ربما تزداد وتيرته خلال السنوات الخمس المقبلة خاصة مع تنامي صناعة السيارات الكهربائية التي بلغ إنتاجها عالميا مليوني سيارة كهربائية عام 2016، ويتوقع لهذه الصناعة النمو والازدهار.
إن مثل هذه الثروة التي منحنا الله إياها وفي ظل المنافسة العالمية على الاستئثار بمشاريع الطاقة المتجددة تجعلنا أمام تحديات كبيرة لتنمية مجال الصناعة عموما والطاقة المتجددة على وجه الخصوص سعيا لتحقيق أهداف "رؤية 2030" التي تهدف إلى توليد 3.45 جيجاواط من الكهرباء المنتجة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، وإضافة 9.5 جيجاواط من الطاقة المتجددة إلى الإنتاج المحلي بحلول عام 2023 كمرحلة أولى، كما تهدف "الرؤية" إلى توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في اقتصادنا، وتشمل تلك السلسلة خطوات البحث والتطوير والتصنيع وغيرها.
ولو نظرنا إلى مجموع ما ستنتجه مشاريع الطاقة المتجددة القائمة حاليا في الشركة السعودية للكهرباء، نجد أنه يقارب 1 جيجاواط عام 2020؛ أي بنسبة 29 في المائة فقط من المستهدف في "الرؤية".
"الرؤية" طموحة ونطمح لمزيد، والخبرات موجودة والمصادر متوافرة، وبغض النظر عن مشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية الصغيرة الذي لم تتضح بعد صورته النهائية، فإن نسبة إنتاج المملكة للطاقة المتجددة تعد متدنية ولا تتلاءم مع موقعها الاقتصادي، أو مع المصادر المتوافرة، على الرغم من الجهود المشكورة التي تبذلها الجهات المعنية بالطاقة المتجددة.
إن المؤسسات والشركات العالمية في مجال الطاقة تتنافس للحصول على صفقات واتفاقيات مع الدول الكبيرة لتسلم مشروعاتها. والمملكة إحدى تلك الدول التي لها خبرة تراكمية في مجال الطاقة المتجددة، ولها جهود مميزة في تحقيق مشروع استراتيجيتها نحو توطين الصناعة، وتتفرد بمنطقة امتياز جاذبة.
وحتى تحقق المملكة الريادة العالمية في جانب الطاقة المتجددة وتستمر في عطائها في ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، فإن الفرصة سانحة أمام القطاع الخاص لرفع سقف المشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة محليا وعالميا، وربما يتطلب ذلك مزيدا من دعم الدولة للاستثمار في البحث والابتكار، والتصنيع والإنتاج، والتشغيل والصيانة، وإعداد خطة وطنية لإدارة الموارد المتجددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي