Author

خطة التحفيز .. لاستدامة حقوق الأجيال

|
صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على تحفيز الاقتصاد لعام 2018 بمبلغ قدره 72 مليار ريال، ضمن خطة تتجاوز 200 مليار ريال لعدد من السنوات المقبلة، وهذا هو الخبر الذي كان ينتظره كل اقتصادي منذ بدأنا نواجه مشكلة انخفاض أسعار النفط، وبدأت نسب النمو في التراجع، وعند البعض كان من الممكن أن يتم إطلاق هذا البرنامج منذ اللحظة الأولى التي بدأنا نلمس فيها مشكلة التباطؤ، على الأقل هذا ما كانت تفعله الاقتصاديات العالمية، ومع ذلك فإن صدور القرار في هذا التوقيت كانت له معان واضحة جدا، فهذا التحفيز الضخم الذي سيتم من خلال عدة مسارات كان بحاجة إلى قاعدة متينة، وإلا سيضيع في وسط الفوضى، فقد أتى بعد أن قام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بالعمل الدؤوب طوال السنوات الماضية لإطلاق رؤية تنموية واقتصادية توحد الجهود، وتعمل على حل جميع المشكلات القائمة، وإصلاح عديد من الأنظمة، كما تمت إعادة هيكلة عديد من الوزارات والهيئات، وضبط خطة للتخصيص، كما تم إطلاق مبادرات ومشاريع متعددة، وتوقيع اتفاقيات شراكة واسعة، إضافة إلى جهد بارز في ضبط الإنفاق الحكومي، وأخيرا ــ وهو الأهم قبل التحفيز ــ تم إطلاق الحرب على الفساد من القمة حتى القاع، وبعد كل هذه الإصلاحات تم الإعلان عن خطة التحفيز المنتظرة. وكما أكد الملك في خطابة السنوي من تحت قبة الشورى حرصه على إزالة كل العوائق حتى تتحقق استدامة التنمية مع الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. تؤكد النظريات الاقتصادية أن على الحكومات التدخل اقتصاديا من أجل التحفيز في أوقات التراجع الاقتصادي، ونتذكر خطط الولايات المتحدة للتيسير الكمي التي واجهت من خلالها أعقد أزمة مالية عصفت بها وبالعالم، ونجحت معها في العودة إلى النمو والازدهار حتى وصل الاقتصاد الأمريكي إلى مرحلة العلامة الكاملة، لهذا فإن خطط التحفيز مهمة وضرورية، ولكن في الوقت الصحيح وبالشكل الصحيح وبخطط معلنة وتتسم بالعدالة. لقد كان الاقتصاد السعودي بحاجة إلى التحفيز، وفي هذا الوقت بالذات خاصة مع فرض ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الطاقة، وبعدما أصبح الطريق ممهدا في المملكة لإطلاق خطط التحفيز جاءت الموافقة السامية على خطة تحفيز القطاع الخاص واعتماد مبلغ إجمالي قدره 72 مليار ريال بخمسة مسارات تهدف أساسا إلى النهوض بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة ووحدة المحتوى المحلي، وهذه الخطط إضافة إلى «حساب المواطن» ستدفع بالقوة الشرائية في المملكة إلى مستويات قوية، وستحسن من الشعور العام، ولكن هذه المرة ضمن هدف استدامة الاقتصاد وحفظ حقوق الأجيال. ولأن لدى المملكة اليوم رؤية واضحة حتى عام 2030، فإنه من الطبيعي أن يكون التحفيز موجها لعدة قطاعات سبق أن أعلنت عنها "الرؤية"، وهي قطاع الإسكان، وقطاع المنشآت الصغيرة، وقطاع التعدين والطاقة، إضافة إلى دعم مبادرات ذات علاقة بالتحفيز، منها مبادرة التصدير. وبهذا ووفقا لما أقرته "رؤية المملكة 2030" ستجد المنشآت الصغيرة حظا وافرا من الدعم، فالخطة تتضمن إعفاءات من الرسوم لهذه المنشآت خلال السنوات الثلاث الأولى من عمرها، وتأسيس صندوق لرأس المال الجريء، وزيادة رأسمال "كفالة" إلى 800 مليون ريال، والإقراض غير المباشر بمبلغ 1.6 مليار ريال. ولأن المملكة تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، فإن ذلك الهدف الكبير لن يتحقق ما لم تتحسن الصادرات، ولهذا تم إنشاء بنك للصادرات برأسمال يبلغ 30 مليار ريال. وفي مجال الإسكان، سيتم تخصيص مبلغ 21 مليارا لتسريع مشاريع الإسكان، ومبلغ 17 مليارا لرفع الكفاءة والتقنية. إذن فنحن أمام خطة شاملة من التحفيز الاقتصادي، سيكون تأثيرها مباشرا في النمو الاقتصادي، فالتحفيز سيعزز من القدرة الشرائية والمكانة والقوة لدى المنشآت الصغيرة، خصوصا التي عليها أن تثبت جدارتها في التوظيف المباشر، ومشاريع الإسكان ستحفز بشكل أساسي القطاع الرئيس في المقاولات، وخطة دعم الصادرات ستمكن الشركات الكبيرة من الدخول إلى الأسواق العالمية وتحقيق مزيد من الأرباح، وكل هذا مصبه النهائي في تسارع وتيرة النمو الاقتصادي الكلي.
إنشرها