متشدد .. وليبرالي

عند حدوث أي تغيير في مجتمعنا السعودي، ستجد نفسك أمام مسرحية تعرض أمامك رغما عنك، أبطالها متطرفون يستعرضون بكل "فهلوة" عضلاتهم الفكرية والثقافية، فلا تدري هل تبكي ألما على استخفافهم بعقلك أم تضحك وجعا على براهينهم الهزلية؟
ما أقصده هنا هما الخصمان اللدودان: التيار الديني المتطرف والتيار الليبرالي المتطرف، وكأننا في مسابقة «ديكة»، يرتفع صياحهما ويثور غبارهما ويتطاير ريشهما، وفي النهاية ستكون أنت الخاسر الوحيد لأنك أضعت وقتك في متابعة صراع استهلك وقتك وفكرك وراحتك النفسية دون أي فائدة تذكر.
استفزاز فكري بغيض بين تيار ديني متطرف سيوهمك بأنك إن لم تتبع أفكاره ونظرياته ورؤيته الدينية المتشنجة في الحياة، فأنت بلا شك زنديق مارق من الدين لا تستحق رحمة الله، وتيار ليبرالي متطرف سيحاول إيهامك أن التحضر والمدنية لن تتمكن من تحقيقهما إن لم يكن الدين بمعزل عن تصرفاتك وأفكارك وحريتك، وأنك شخص متخلف سيتجاوزك العالم وأنت تقف مكانك. ولو جئنا للواقع الحقيقي بعيدا عن الواقع الافتراضي الذي تعلو فيه أصواتهما لوجدناهما أكثر التيارات تناقضا، فأصحاب التيار الديني المتطرف سقطت ورقة التوت عن كثير منهم من خلال "السناب" الذي أظهر كيف يعيشون في بذخ وإسراف في ولائمهم واستراحاتهم وقصورهم وسياراتهم وأثاثهم وسفرهم إلى بلاد أوروبية وابتعاث لأبنائهم وهي أمور اعتبروها مفاسد تقود إلى الكفر، أما أصحاب التيار الليبرالي المتطرف الذين يدعون أن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين فستبلغ بك الدهشة حدها حين تحاورهم فكل الحريات التي يؤمنون بها ستتحول إلى مجرد "فقاقيع صابون" حين يحتدم النقاش بينك وبينهم وستدرك يقينا أنهم يناقضون أنفسهم بل من المضحك المبكي أن بعضهم حتى الآن لا يمتلك تعريفا حقيقيا لليبرالية وما الهدف منها؟
هذان التياران هما معولا هدم للمجتمع ولكل تغيير إيجابي يحدث فيه، فهما يثيران الكراهية ويستفزان المجتمع ويشعلان مواقع التواصل الاجتماعي بأساليبهما المستفزة للعقلاء وبسوء ظنهما حتى بالنوايا التي لا يعلمها إلا الله، فيجعلون حتى البسطاء يصابون بالحيرة والارتباك وغبش الرؤية، هما لا يهتمان بمصلحة الوطن ولا يسعيان لتقدمه بقدر ما يهمهما أن "يقرب كل منهما النار لقريصة" وأن يثبت فشل الآخر.
- الوطن ليس في حاجة إلى صراع متطرفين، هو يحتاج إلى همم تبني وتنتج، تفكر وتبدع وتبهر وتتألق، إشغال الناس بهذه المهاترات هو عقوق للوطن وتعطيل للإنتاجية، حين يتحول الحوار إلى صراع واستفزاز للمشاعر وكراهية وسوء ظن واستعداء فهنا لابد من إعادة النظر من أجل الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي