حوكمة الشركات وملامح جديدة «1 من 2»

أظهرت الأزمة العالمية الراهنة فجوات خطيرة في ممارسات حوكمة الشركات على الصعيد العالمي في مختلف القطاعات الاقتصادية، ما دفع نحو إحداث تغيرات جذرية في هيكليات الحوكمة خاصة في آلية عمل مجالس الإدارات.
ظهرت خريطة الحوكمة في مرحلة ما بعد الأزمة العالمية، التي تظهر انتقال المسؤولية إلى مجالس الإدارات بعد أن كانت ملقاة في السابق على عواتق الرؤساء التنفيذيين فحسب، ويأتي ذلك في ظل الحاجة إلى تحديد الأفراد المسؤولين عن أي أخطاء أو خسائر قد تتكبدها الشركة كي يتحملوا المسؤولية وتتم محاسبتهم، وأنه :"في حال إلقاء مزيد من المسؤولية على أعضاء مجالس الإدارات، سيؤدي ذلك إلى تغيير آلية عملهم وتصرفاتهم، إذ سيطالبون بمعلومات وبيانات أكثر حول عمل شركاتهم لتحليلها ودراستها قبل المصادقة على القرارات الاستراتيجية نظرا لكونهم تحت طائلة المسؤولية، الأمر الذي يسهم في تعزيز الشفافية على مستوى الإدارة العليا".
من جانب آخر، أسهمت المتغيرات الأخيرة في عالم المال والأعمال في تزايد دور شركات المحاسبة والتدقيق المالي وأهميتها، التي باتت تلقى تعاونا وشفافية أكبر من عملائها، حيث أدركت الشركات ضرورة ضبط ميزانياتها وحساباتها وفق المعايير المحاسبية الدولية والأهم من ذلك أن تكون دقيقة وواقعية، وبات المدققون الخارجيون يقدمون تقاريرهم إلى المدير المالي أو مسؤول الحوكمة في الشركات وليس إلى الرئيس التنفيذي كما كان الوضع عليه في السابق، ويشار إلى أن تعاظم المسؤولية الملقاة على عاتق شركات التدقيق المالي في ظل تزايد أهميتها إثر الأزمة الراهنة.
شهد قطاع إدارة المخاطر اهتماما متزايدا منذ مطلع التسعينيات، لكنه بقي محدودا ضمن حدود الإدارة العميلة والمالية، وأن الأزمة أدت إلى توسيع نطاق ممارسة إدارة المخاطر لتصل إلى مجالس الإدارات التي تهتم فقط بالأرباح، بل باتت تنظر إلى المخاطر المرافقة لعميلة توليد تلك الأرباح لتكوين صورة متكاملة عن حجم المخاطر المحتملة لأي مشروع أو صفقة ومناقشة الطريقة الأفضل لإدارة تلك المخاطر.
يعتبر فاندرهيدن أن إدارة المخاطر تتمحور حول تفادي تدمير القيمة لدي أي شركة، إضافة إلى أنها تعنى بتحديد المخاطر التي يمكن تحملها، فهي لم تعد عملية تقييم للمخاطر فحسب، بل باتت تتجه نحو رصد مستويات المخاطر التي يمكن للمساهمين تحملها. وتكمن المفارقة في رأيه في أن إدارة المخاطر كانت أحد أكثر المجالات تطورا في القطاع المالي خلال الـ20 عاما الماضية، وقد شهدت زيادة ملحوظة من حيث القدرات والإمكانات، لكن الأزمة الأخيرة كشفت أن تلك التطورات لم تنعكس على أرض الواقع فيما يتعلق بتطور أداء إدارة المخاطر على مستوى مجالس الإدارة، أما الآن، لم يعد الهدف تحقيق الأرباح بأي ثمن كان، بل يجب أن تتناسب الأرباح التي يمكن تحقيقها مع المخاطر المحتملة.
من جانب آخر، لم يكن الرئيس التنفيذي عند تعرض الشركة للمخاطر خلال عملياتها ومشاريعها، نظرا لاحتكاره القرارات وآليات الدخول في المشاريع والصفقات التجارية، وحتى في حال تكبد الخسائر، يتحمل عبئا كبيرا من المسؤولية. ونظرا لهذا الواقع، بدأت إدارة المخاطر في لعب دور أكبر في الرقابة والإشراف على قرارات الرئيس التنفيذي وأعضاء الإدارة العليا ووضعها في إطار حدود إدارية معينة، وذلك لا يعني الحد من قدراتهم ومسؤولياتهم على المستوى التنفيذي بقدر ألا تترك جميع القرارات لهم. ويلفت المدير الأكاديمي لمبادرة إنسياد لحوكمة الشركات إلى أن إدارة المخاطر لم تعد مجرد قياس علمي للمخاطر، بل بدأت برصد الحوادث التي لا يمكن للشركة تحملها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي