Author

البترول التقليدي .. نضوب متسارع

|
سوف نحصر حديثنا في هذا المقال حول ما نطلق عليه اليوم البترول التقليدي، أو أحيانا البترول الرخيص، ومستقبل إنتاجه. أما البترول غير التقليدي فيشمل جميع أنواع النفوط الأخرى التي يحتاج إنتاجها إلى عمليات إضافية أو مكلفة. وهذه التسمية بحد ذاتها مجازية ولا تستند إلى أساس علمي، فهو مجرد تمييز بين إنتاج البترول الرخيص الذي ننتجه بالطرق التقليدية منذ ما يقرب من 150 عاما وبين مصادر بترولية معظمها كان وجوده معروفا لدى المتخصصين منذ زمن طويل. وإنتاجه معظمه ينتظر ارتفاع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير من الوضع الحالي. ونود أن نذكر أن البترول التقليدي سوف يتحول هو نفسه مع اقتراب النضوب خلال عقود قليلة إلى غير تقليدي، مع انخفاض إنتاج الحقول وارتفاع تكلفة الاستخراج. دول العالم التي تمتلك حقول البترول تتنافس بطريقة غير طبيعية على إنتاج أكبر كمية ممكنة منه وتتفاخر بذلك، بصرف النظر عن مستوى الأسعار مهما تدنت قيمتها أو طال عمر الحقل ومدى استجابته لمزيد من الدفع والعطاء. والنهاية المحتومة لهذا المصدر الحيوي هو انقضاء عهد الطاقة الرخيصة واللجوء إلى مصادر أخرى قد تكون من نوع المتجدد أو البترول غير التقليدي ذي التكلفة العالية. والأخطر من ذلك هو ضرورة التحول من البنية التحتية للصناعة البترولية إلى بنية تحتية مكلفة وملائمة لمصادر الطاقة البديلة. فهل يعي المجتمع الدولي ما هو مقبل عليه؟ نشك في ذلك. وكثيرا ما يتحدث المتفائلون عن مستقبل الاكتشافات البترولية الجديدة وعن وفرة المصادر الأخرى التي سوف تعيدنا إلى عصر الأربعينيات والخمسينيات والستينيات الذهبية من القرن الماضي، عصر طفرة الاكتشافات الكبيرة ونمو الطلب العالمي على البترول. ونحن نعلم أن ذلك العهد قد انتهى وأصبحت تلك الحقول، الكبير منها والمتوسط، في حكم القديم المنهك. ومن شبه المؤكد أن نسبة من تلك الحقول، قد تصل إلى 98 في المائة قد بلغ إنتاجها الذروة. وهو وضع ما فتئ الكثيرون يصرون على عدم الاعتراف به، بناء على الوفر الكبير في احتياطي البترول غير التقليدي، رغم تدني كميات إنتاجه وارتفاع تكلفته. وقد أكدنا في أكثر من مناسبة أن إنتاج مصادر غير التقليدي، بأنواعها وأشكالها، لن تستطيع ملء الفراغ الذي سوف يتركه النضوب الجزئي للبترول التقليدي الرخيص. ونود أن نلقي نظرة سريعة على الاكتشافات البترولية الحديثة التي كانت قد تحققت خلال الـ45 سنة الماضية، ونرى مدى جدواها للمساعدة في حل الأزمة المتوقعة قريبا في إمدادات الطاقة. وهذا موضوع، على أهميته، لا أحد يلقي له بالا أو يتحدث عنه بموضوعية. فالتركيز المستديم محصور فقط في مستقبل الطلب العالمي على مصادر الطاقة، والبترول على وجه الخصوص. وسوف نبرهن من الواقع على أن ما تم اكتشافه من حقول البترول التقليدي خلال تلك الفترة وحتى وقتنا الحاضر لا يفي بمتطلبات النضوب المتسارع لأهم مصدر للطاقة في عصرنا الحديث. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن عصر عمالقة حقول البترول التقليدي قد انتهى باكتشاف حقل شيبة في السعودية عام 1968. وتزامن اكتشاف حقل خليج برودو في ألاسكا مع حقل شيبة في العام نفسه، وهو آخر حقول البترول التقليدي الكبيرة. ولم يبدأ إنتاجه إلا في عام 1977، بعد انتهاء إنشاء خط الأنابيب الذي ينقله إلى مرافق التصدير. وهو الآن على وشك وصول سن التقاعد. أما الاكتشافات التي تلت تلك الفترة وذات حجم كبير أو متوسط، فقد كانت محدودة وتشمل في معظمها حقول بترول غير تقليدي. ففي عام 2000 تم اكتشاف حقل كاشاقان في كاخستان. وهو من الحقول الفريدة من نوعها. إذ يتميز بتروله بنسبة عالية وغير طبيعية من غاز كبريتيد الهيدروجين الذي يتسبب في تلف وتآكل المعدات والأنابيب المصنوعة من الصلب. ويحتاج إلى استخدام مواد خاصة تصل تكلفتها عشرة أضعاف المواد العادية. وهو ما تسبب في تأخير عملية الإنتاج إلى أكثر من عشر سنوات. وارتفعت تكلفته ما يقارب عشرة أضعاف التقدير الأولي. وفي روسيا تم قبل سنوات اكتشاف حقل بترول متوسط الحجم ولكن في منطقة شبه متجمدة في بحر "كارا" من المحيط المتجمد الشمالي. ولك أن تتخيل تكلفة الإنتاج التي من المؤكد سوف تزيد على 120 دولارا للبرميل. وبقية الاكتشافات كانت من الحجم الصغير التي يراوح احتياطيها من مليار برميل إلى أدنى من ذلك بكثير. مع العلم بأن السحب العالمي الحالي من البترول التقليدي الناضب يقارب 33 مليار برميل سنويا. ومجموع الاحتياطي المتبقي منه لا يتجاوز تريليون برميل. وهذا لا يعني أنه سوف ينضب بعد 30 عاما من الآن، على أساس قسمة الاحتياطي على معدل الإنتاج اليومي. لأن مستوى الإنتاج الحالي لن يدوم طويلا وسيبدأ قريبا في الانخفاض التدريجي على مدى عقود طويلة، حتى يصبح إنتاجه غير اقتصادي. هذا هو الواقع الذي يعيشه المجتمع الدولي مع أهم مصدر للطاقة التي تسيّر الحياة وتغذي الصناعة. ولم نتحدث عن البترول الصخري، وهو في مصاف غير التقليدي، لأن إنتاجه محدود ونفسُه قصير، على الرغم من الضجة الكبيرة المفتعلة التي صاحبت ظهوره، ولا تزال قائمة حتى اليوم.
إنشرها