دروس في النظرية والسياسة الاقتصادية «2 من 3»

بشكل أعم، أوضحت الأزمة أهمية التنظيم المالي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي. ولكنني أصاب بخيبة أمل عند تقييم ما حدث منذ وقوع الأزمة. فمع الاندماجات التي حدثت في أعقابها، تفاقمت مشكلة المصارف التي توصف بأنها "أكبر من أن تفشل". فهناك مصارف أعمالها متداخلة بدرجة لا تسمح لها بالفشل، ومصارف أعمالها مرتبطة إلى حد لا يسمح لها بالفشل، وهي قضايا لم نفعل سوى القليل لإيجاد حل لها. وقد دارت مناقشات واسعة النطاق بالطبع حول المؤسسات التي تعد "أكبر من أن تفشل"، لكن الارتباط الشديد بينها مسألة أخرى. فهناك احتياج ملح لأن تعمل المؤسسات المالية في بيئة أكثر تنوعا تحد من حوافز الارتباط المفرط وتحقق مزيدا من الاستقرار. وهذا منظور لم يحظ بأي تركيز كافٍ في الآونة الأخيرة.
كذلك فإننا لم نقم بجهد كافٍ لزيادة متطلبات رأس المال المصرفي. فمعظم المناقشات أغفلت تماما تقدير التكاليف والمنافع المترتبة على زيادة هذه المتطلبات. ونحن نعرف المنافع ـ الحد من مخاطر عمليات الإنقاذ الحكومية وتكرار الأحداث من النوع الذي شاع في عامي 2007 و 2008. أما بالنسبة للتكلفة، فقد وجهنا اهتماما لا يُذكَر إلى الرؤى العميقة التي تتضمنها نظرية موديلياني وميلر، وهي النظرية التي تكشف عدم صحة الآراء القائلة إن زيادة متطلبات رأس المال تتسبب في زيادة تكلفته.
ولو أننا بدأنا جهود الإصلاح بالتركيز على كيفية رفع كفاءة اقتصادنا وتعزيز استقراره، لكان من الطبيعي أن نتساءل عن أمور أخرى، ونطرح مسائل أخرى للنقاش. فمن الطريف أن هناك تناظُرا بين هذا القصور الذي شاب جهودنا الإصلاحية والقصور الملاحَظ في النماذج التي كثيرا ما نستخدمها نحن المتخصصون في الاقتصاد الكلي. ولو كان الأمر كذلك لكنا تساءلنا، عن الأدوار الأساسية للقطاع المالي، مثلا، وكيف يمكن أن نجعله أكثر كفاءة في الاضطلاع بها. ولا شك أن واحدا من أدواره الأساسية هو توزيع رأس المال وتقديم الائتمان، خاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهي وظيفة لم يؤدها بكفاءة قبل الأزمة ويقال إنه لا يزال مقصرا في أدائها. وقد يبدو أن هذا أمر واضح. لكن تقديم الائتمان لم يكن موضع تركيز في الحوار بشأن السياسات ولا في نماذج الاقتصاد الكلي المتعارف عليها. والواقع أن علينا تحويل تركيزنا من النقود إلى الائتمان. والاثنان جانبان مترابطان ترابطا وثيقا، في العادة، في أي ميزانية عمومية، ولكن ذلك لا ينطبق في كل الحالات، خاصة في سياق الاضطرابات الاقتصادية الكبيرة التي ينبغي التركيز أثناءها على الائتمان. ومما أجده لافتا للنظر أن النماذج الاقتصادية الكلية المعتادة لم تتضمن فحصا كافيا لطبيعة آلية الائتمان. وهناك بالطبع قدر كبير من أدبيات الاقتصاد الجزئي حول النشاط المصرفي والائتمان، لكن نماذج الاقتصاد الكلي المعتادة أغفلت معظم الرؤى العميقة المطروحة في هذه الأدبيات. غير أن الفشل في إدارة الائتمان ليس الثغرة الوحيدة في منهجنا، فهناك فهم قاصر أيضا لأنواع التمويل المختلفة. ويمثل الفرق بين الدين وحصة الملكية مجالا من أهم مجالات تحليل المخاطر في الأسواق المالية، وهو أمر لم نعطه اهتماما يُذكر في إطار الاقتصاد الكلي التقليدي. وفي محاولة لعلاج هذا القصور أصدرت كتابا بالاشتراك مع بروس جرينوولد يحمل عنوان "نحو نمط جديد للاقتصاد النقدي".
كما أشرت آنفا، كانت اقتصادات السوق مستقرة في النماذج التقليدية "وفي الفكر التقليدي". وبالتالي، فإن ندرة طرح أسئلة جوهرية حول كيفية تصميم نظم اقتصادية أكثر استقرارا ربما لم تكن من الأمور المستغربة. وقد تطرقنا بالفعل إلى عدة جوانب في هذا الخصوص، أي إلى كيفية تصميم نظم اقتصادية أقل تعرضا للمخاطر أو نظم اقتصادية تتسبب في قدر أقل من التقلب.
ومن الإصلاحات الضرورية، وإن لم تحظ بالتركيز الكافي، إيجاد عدد أكبر من مسببات الاستقرار التلقائية وعدد أقل من مسببات الاضطراب التلقائية ـ ليس فقط في القطاع المالي، وإنما في كل أجزاء الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، نجد أن التحول من نظم التقاعد ذات المزايا المحددة إلى نظم التقاعد ذات الاشتراكات المحددة ربما يكون قد أثر في استقرار الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي