الحكومات ودورها في تعزيز شفافية الحوافز

تشتد المنافسة عالميا على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والمحلية المباشرة، حيث تقدم جميع البلدان تقريبا مجموعة من الحوافز لجذب المستثمرين، على سبيل المثال الإعفاءات الضريبية المؤقتة، الإعفاءات من الرسوم الجمركية، القروض المدعومة... إلخ. وفي الاتحاد الأوروبي، أنفقت الدول الأعضاء البالغ عددها 28 دولة 93.5 مليار يورو على المساعدات التجارية الممنوحة للشركات التجارية في عام 2014. وفي الولايات المتحدة، قدمت حكومات الولايات حوافز بقيمة بلغت في المتوسط 80.4 مليار دولار سنويا في الفترة بين عامي 2007 و2012.
وللتوصل إلى فهم أفضل عن مستوى انتشار تقديم الحوافز على مستوى العالم، قام الفريق المعني بمناخ الاستثمار في قطاع الممارسات العالمية للتجارة والتنافسية في مجموعة البنك الدولي بمراجعة سياسة الحوافز في 137 بلدا. وأظهرت النتائج أن جميع البلدان التي شملها المسح تقدم حوافز إما في شكل إعفاءات ضريبية/ جمركية أو في أشكال أخرى.. فعلى سبيل المثال، تكون الإعفاءات الضريبية المؤقتة أقل شيوعا في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ولكنها الأكثر انتشارا في البلدان النامية. وفي بعض المناطق الأخرى، تكون هذه الإعفاءات هي الحافز الأكثر استخداما.
لكن رغم تقديم الحوافز، لم تستوف سوى بلدان قليلة للغاية جميع المتطلبات اللازمة لوضع سياسة للحوافز تتسم بالشفافية بشكل كامل. وتشمل هذه المتطلبات: التكليف بموجب القانون ومداومة التطبيق عمليا فيما يخص إنشاء قاعدة بيانات/ قائمة لحصر الحوافز المتاحة للمستثمرين، وإدراج جميع الجوانب الرئيسة المهمة بالنسبة لأصحاب المصلحة في هذه القائمة، على سبيل المثال، الحوافز المحددة الممنوحة، معايير الأهلية، إجراءات الإرساء والإدارة، المرجع القانوني، المبالغ الممنوحة... إلخ، ونشر هذه القائمة للجمهور بصيغة سهلة الاستخدام، والاشتراط قانونا على نشر جميع مراجع الحوافز الرسمية، وتسهيل الاطلاع عليها عمليا من جانب أصحاب المصلحة. وأظهرت دراسة يقوم قطاع الممارسات العالمية للتجارة والتنافسية بإجرائها حول شفافية الحوافز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن جميع البلدان الثمانية التي شملها التحليل ليست لديها سياسة للحوافز تتسم بالشفافية الكاملة.
1ــ تحقيق منافع أكبر: شفافية الحوافز يمكن أن تساعد على اجتذاب مجموعة أكبر من المتقدمين المؤهلين، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق منافع اجتماعية واقتصادية أعلى بكثير. فعلى سبيل المثال، لا تقوم الشركات التي يمكنها تحقيق معدلات نمو مرتفعة أو إحداث آثار اجتماعية ويمكن أن تستوفي معايير الأهلية غالبا بطلب الحصول على حوافز لعدم علمها بها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تدني مستوى الاستثمار أو غيابه في أسوأ الحالات، خاصة في القطاعات التي يمكن أن تحدث فيها الحوافز فرقا في قرار أحد المستثمرين بشأن تحديد مجال الاستثمار، وبالتالي تحرم البلاد ليس فقط من الاستثمارات "الضائعة"، بل أيضا من تحقيق بعض المنافع مثل زيادة الوظائف والإنتاجية كما وكيفا. وعلى الجانب الآخر، يمكن أن يؤدي غياب الشفافية إلى حماية مصالح المستفيدين الحاليين. وعندما لا يكون المستفيدون الحاليون هم الأفضل من حيث التنافسية على تحقيق أهداف الحكومة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نتائج دون المستوى الأمثل. وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشويه المنافسة وتسهيل ارتكاب سلوكيات غير أخلاقية.
2 ــ تقليل الوقت والتكلفة: شفافية الحوافز يمكن أن تساعد على تقليل ما تستغرقه الشركات من وقت وما تنفقه من تكلفة سعيا للحصول على معلومات عن الحوافز، ما يسهل الوصول إليها. ويتعين على المستثمرين غالبا الاستعانة باستشاريين لمساعدتهم على هذه العملية، وهو ما يمكن أن ينطوي على تكلفة باهظة ولا سيما في البلدان متوسطة/ مرتفعة الدخل. ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى ثني مؤسسات الأعمال، ولا سيما الصغيرة والمتوسطة، عن التقدُّم لطلب الحوافز. وإضافة إلى ذلك، يمكن لإتاحة معلومات عن عمليات وإجراءات الحصول على الحوافز أن تساعد الحكومات على تحديد مجالات لتبسيط الإجراءات، ومن ثم تقليل التكاليف الإدارية لمنح الحوافز.
3ــ تشجيع الاستثمار: يجب على المؤسسات المعنية بسياسات وتشجيع الاستثمار التنافس في الساحة العالمية لجذب المستثمرين والمحافظة على بقائهم. ويمكن لهذه المؤسسات الاستفادة من المعلومات المتعلقة بالحوافز، ولا سيما في القطاعات حيث يمكن أن تحدث الحوافز فرقا بالنسبة للمستثمرين.
4ــ تقييم الإنفاق العام: معظم الحكومات، ولا سيما في البلدان النامية، تعاني محدودية الموارد. وبالتالي، فمن المهم بالنسبة لها الوقوف على كيفية إنفاق الأموال. ويمكن لسلطات المالية العامة استخدام المعلومات المتعلقة بالحوافز لتقييم الإنفاق المالي وإعداد موازنات دقيقة.
5 ــ تحسين مستوى تنسيق السياسات: شفافية الحوافز يمكن أن تساعد أيضا على تحسين التنسيق فيما بين الهيئات الحكومية. وفي كثير من البلدان، لا تكون جميع الهيئات على علم كامل بالحوافز التي تقدمها الجهات الأخرى. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الازدواجية أو حتى التعارض، ما ينجم عنه من إهدار للموارد العامة في نهاية المطاف.
في السنوات الخمس الماضية، قام قطاع الممارسات العالمية للتجارة والتنافسية بمساعدة حكومات أكثر من 20 بلدا على إصلاح سياستها بشأن الحوافز. وقد ركز أكثر من نصف هذه الإجراءات التدخلية على تحسين الشفافية من خلال إنشاء قائمة لحصر جميع الضرائب والرسوم الجمركية والحوافز المالية التي تمنحها مختلف الهيئات للمستثمرين. وبمساعدة قطاع الممارسات العالمية للتجارة والتنافسية، قامت كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو وقيرغيزستان والأردن وطاجيكستان بنشر قوائم الحصر الخاصة بها للجمهور، ما يزيد من شفافية الحوافز بالنسبة لأصحاب المصلحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي