أين المشكلة؟

يقال دائما إن السؤال أهم من الإجابة، فكثير لدينا مستعد للتطوع بسيل من الإجابات ولكن نادرا ما نسمع أسئلة موضوعية تقود إلى إعادة التركيز وتأطير المشكلة وتلميح للحلول الممكنة. في هذه الفترة ليس هناك مجال أكثر خصوبة لهذه الجدلية من الفضاء الاقتصادي. في هذا العمود لن أحاول طرح إجابات أو اقتراحات وإنما مجرد أسئلة كبيرة لعلها تساعد على تأطير النقاش والطرح وتوسيع دائرة النقاش العام. الأسئلة الصحيحة مفاتيح وعلامات استرشاد تقود إلى الطريق، بينما التسرع في الإجابة دون قاعدة معرفية إما محاولة للتمركز أو التملق أو العلاقات العامة وبالتالي غير مفيد وأحيانا يقود إلى ضرر، وقد ينجح السائل في إحراج المسؤول دون فائدة تذكر. في نظري هناك عدة تساؤلات مهمة ولكن سأختار ثلاثة أسئلة لعلها تبدأ في تأسيس إجماع حول القضايا التنموية والاقتصادية التي تواجه المملكة.
السؤال الأول: هل التحدي الذي يواجه المملكة تنموي أم اقتصادي في الأساس؟ التحديد يقود إلى إجابات مختلفة وبالتالي سياسات مختلفة. المملكة بلد نام وبالتالي هناك تحد حضاري وتنموي إضافة إلى التحدي الاقتصادي والمسائل المالية المتعلقة به مباشرة أو غير مباشرة، ولكن أيضا تواجه المملكة تحديات اقتصادية ماثلة وتحديات مالية بسبب انخفاض أسعار النفط على خلفية تزايد المصروفات العامة. الخلط بين التحدي التنموي والاقتصادي يقود إلى حلول قد لا تنفع لكليهما. التحدي التنموي يقود إلى التفكير في مدى الرغبة في إعادة التوجهات العامة، بينما التحدي الاقتصادي يدور في جوهره حول إعادة منظومة تصرفات الأفراد والشركات والأجهزة العامة. التحدي التنموي يتعامل مع الحالة الاقتصادية كأحد الفضاءات، بينما التحدي الاقتصادي جزء من التحدي التنموي ويتطلب أدوات مختلفة.
السؤال الثاني: أيهما أنسب لحلحلة الوضع الاقتصادي، حلول شاملة توظف منظومة نظامية وأدوات مالية، أم خطوات اقتصادية من خلال آلية مالية تمرر خلسة؟ مرة أخرى تعريف طبيعة الإشكالية يقود إلى توظيف سياسات وآليات مختلفة. الأنظمة عادة تهدف إلى إعادة هيكلة النماذج والتصرفات ولكنها في ظل حالة تنموية معينة قد تراهن على المثاليات والنقص في كفاءة بعض الأجهزة وخاصة القضاء. الآليات المالية التي تمرر خلسة هي تلك التدريجية التي تجبر على تغيير التصرفات وإعطاء فرصة للكثير للتكيف. هناك حاجة إلى تغيير الأنظمة ومتابعة الأداء، ولكن تغيير التصرفات في الاستهلاك وإدارة الموارد والمنافسة والاستثمار أهم بكثير. من التفاصيل المالية الوقوف على حجم الدين قياسا على أغراض توظيفه.
السؤال الثالث: هل العقلية العربية قابلة للتفكير الجمعي المصلحي طويل الأجل؟ هذا تساؤل يحتاج إلى تفكير اجتماعي وعملي. يعرف عن الشخصية البدوية كإرث عربي أنها تتمتع بالصبر والاهتمام بالبيئة التي تعيش فيها، ولكن مجمل تصرفاتنا اليوم تغلب عليها العقلية النفعية القصيرة المدى التي تضطر كثيرين للمبالغة والتملق وحتى الكذب والغش. قادت هذه المحصلة الأخلاقية إلى قبول التقصير في التحصيل العلمي، وهو ما أوجد نخبة ضعيفة أحيانا تعرف وأحيانا كثيرة لا تعرف وأحيانا لا تعرف أنها لا تعرف. هذا الوسط يقود إلى الشك وعدم الثقة.
هناك تساؤلات كثيرة بعضها كبير وبعضها فرعي. الأهم أن عدم التوقف وطرح الأسئلة المهمة ولو بين النخب في البداية والمصارحة حول الخيارات ومحاولة تحديد حيز ومدى الإجابات يحمل مخاطر مؤثرة ويجعل البعض يتساءل، ولكنه في المكان والمركز الذي يجعل تساؤله متأخرا أو ناقصا وأحيانا غير مفيد لأن الركب تحرك والسؤال قد يصبح عدميا. أنا متفائل لأنه ما زالت لدينا فرصة لإعادة طرح الأسئلة المهمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي