Author

هل نحن بحاجة فعلا إلى السدود؟

|
أدرك الإنسان منذ القدم أهمية السدود بدءا من سد مأرب في اليمن وحديثا السدود العملاقة مثل السد العالي في مصر وسد نورك في طاجيكستان بارتفاع 300 متر الذي يعتبر أطول سد في العالم. وهناك هدف أساس من إنشاء السدود وهو الحفاظ على المياه من أجل الاستعمال القريب أو البعيد بمعنى الحفاظ عليها كمصدر للمياه في المستقبل. وهناك فوائد أخرى من إنشاء السدود منها أنها من العوامل الأساسية لازدهار الحياة الزراعية في البلدان التي تعتمد على الموارد الزراعية والثروة الحيوانية في اقتصادها. ويترتب على بناء السدود توسيع الأراضي المزروعة مع تنويع الزراعة فيها وإقامة مشاريع زراعية ضخمة، كما أنها تعتبر وسيلة مهمة لحفظ التربة من الانجراف أثناء انحدار السيول عندما تكون الأمطار غزيرة وهذا يسهم في التقليل من كمية التربة المجروفة ومساحتها والأضرار الكبيرة والبعيدة المدى الناشئة عنها مثل انهيار المنازل التي تتأثر بفعل السيول. كما يتم توليد الطاقة الكهربائية من السدود التي تعد الأقل ضررا على البيئة وبأسعار رخيصة، إضافة إلى التغذية الجوفية لباطن الأرض ومنع التصحر والحماية من الفيضانات التي تهدد حياة الناس وممتلكاتهم وكذلك وجود فوائد سياحية كثيرة. ورغم كل هذه المنافع إلا أن هناك أخطارا لهذه السدود منها أنها لن تستمر تحجز أطنانا من المياه دون صيانة دورية صحيحة وقد تنهار وتسبب كوارث كبيرة جدا، كما أن السدود قد تواجه مخاطر الأخطاء التصميمية في البناء مثل أخطاء في تصميم التسليح وحساب الإجهادات، أخطاء في دراسات التربة لموقع السد، أخطاء تنفيذية في عملية صب الخرسانة والوصلات الاستنادية، أخطاء في حساب منسوب الفيضان، أخطاء في حساب تحمل جسم السد للزلازل الأرضية، كما بينت ذلك الموسوعة الحرة. والسؤال: أين نحن من كل هذا؟ هل منافع السدود في بلادنا أكثر من مضارها؟ لنرى واقعنا؟ لا توجد أي منافع من السدود في بلادنا لا للزراعة ولا للري ولا للشرب، بل إن مضارها كثيرة. فإضافة إلى أخطار السدود بشكل عام التي تم ذكرها، هناك أيضا أخطار ومضار خاصة بالسدود في بلادنا منها أنها تحتاج إلى حماية وخبرات وصيانة دورية. ومن خلال ما لاحظناه خلال السنوات الماضية تبين أن هناك إهمالا في هذا الجانب بل قد يكون هناك إهمال في تشييد بعض السدود. فعلى سبيل المثال سد وادي مربة في منطقة عسير يواجه خطر تسرب المياه خصوصا أنه سد ترابي. كما أن هناك أضرارا من بقاء مياه السد راكدة لعقود فها هو سد وادي أبها الذي يحوي كميات هائلة من المياه بقيت راكدة لعقود، إضافة إلى أن هذا السد لم تعد له حاجة، بل ليست له حاجة من الأصل ولم تستفد منه منطقة عسير ولا المناطق المجاورة منذ إقامته عام 1974، حيث تعتمد منطقة عسير حاليا على مياه التحلية بنسبة 100 في المائة وهي المصدر الرئيس للمياه في الوقت الحاضر للشرب والزراعة والرعي. بل إن المشروعات العشوائية المكملة للسد أفسدت تضاريس المنطقة وتحولت الوديان من مجرى للمياه إلى أرض يابسة، حينما تم ردم وادي أبها الذي يقع السد في علوه بالخرسانة المسلحة. أما المعضلة الكبرى والمصيبة العظمي للسدود في بلادنا فتتمثل في تلوث مياه السدود بمياه الصرف الصحي وهذا لا يحتاج إلى برهان أو إثبات، فالصورة ظاهرة للعيان في سد الملك فهد في محافظة بيشة حيث يدفع مواطنو بيشة ثمن هذا الإهمال. كلنا نعلم أن المياه الموجودة في جزيرة العرب مياه سطحية تعتمد على مياه الأمطار حيث لا تتجاوز 150 مترا. أما المياه الجوفية فهي مخزون مائي لا يعتمد على مياه الأمطار، والمناطق التي تتوافر فيها المياه الجوفية مثل تبوك والجوف وحائل والقصيم تكون عميقة على بعد يتجاوز 400 متر وبهذا فإن السدود الموجودة حاليا أثبتت ضررها على المناطق التي تقع فيها وعلى المياه السطحية، فالكل يلاحظ أن أي منطقة تم فيها إقامة سد على أحد وديانها تجد أن المياه قلت بشكل كبير أو انقطعت كليا والسبب يعود ـــ والله أعلم ـــ إلى عدم نزول المياه إلى داخل الأرض بسبب الطينة التي تترسب في السدود وتمنع نزول المياه. وأكبر دليل على ذلك مدة بقاء السد مملوءا بالمياه فلو كان هناك نزول للمياه لما بقي السد مملوءا بالماء كل هذه الفترة الطويلة. بطبيعة الحال يقل منسوب السد من المياه بعد فترة طويلة ليس بسبب نزوله كمياه جوفية بل بسبب تبخره. نريد أن نصل من كل هذا لنقول إننا لو أخذنا فوائد السدود المذكور جزء منها في بداية المقال وقارناها بالأضرار المترتبة على ذلك لوجدنا أننا لسنا في حاجة إلى السدود الحالية ولا إلى مزيد من السدود في المستقبل وأرى أن تكلفة حمايتها والحيطة من انهيارها "مربة مثالا" وتلوثها "بيشة مثالا" ستكون مكلفة للغاية. لذا أرى أن الاستثمار فيها غير مجد، وأرى تفريغ جميع السدود من مخزونها وترك الأرض على طبيعتها.
إنشرها