المكاسب السريعة .. مَن المستفيد؟
يخطئ بعض المسؤولين عندما يعتقد أن المبادرات البعيدة عن النشاط الرئيس للعمل ستشكل مكاسب سريعة تؤثر في الرأي العام وتحقق له التقدير والإنجاز المطلوب. بعض هذه المكاسب لا تعدو كونها تداولا إعلاميا قد يؤثر بالسلب لأنه يجعل المستفيدين في دائرة عدم تقبل لما يحدث نتيجة للخروج عن المسار الأصيل للعمل. وقد يفتح المجال أمام كثير من النقد، وهو في واقعه حق أصيل للمستفيدين فيما يعرف باسم المساءلة Accountability. فمن حق المستفيدين أن يسألوا من أوكلت إليه مهام خدمتهم عن الانحرافات عن الأهداف الرئيسة للقطاع. وهذا الدور بدأ يزداد مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي Social Media التي فتحت الفضاء أمام النقد الإيجابي والسلبي، وأصبحت أداة حرب إلكترونية إعلامية تؤثر سلبا في انطباعات المستفيدين Stakeholders ومتلقي الخدمة Beneficiary. والأمثلة على ذلك كثيرة.
من أمثلة ذلك إحدى الجهات المنشأة حديثا فقدت بوصلة التوجهات واستحوذت على المسمى، وأصبحت الآن تطارد الأضواء والموضات في مجال آخر من أجل الكسب الإعلامي، ومتابعة الاتجاه السائد Trend في أعمال تمثل جزءا بسيطا من نشاطها الأصيل الذي يحتاج إليه المجتمع بشكل كبير، خصوصا مع التوجهات الاقتصادية في البلد لمواكبة تطلعات "رؤية المملكة 2030". من الأمثلة أيضا، تضارب المصالح بين الجهات المنظمة في عمليات التشريع فنرى غيابا تاما للتنسيق في الجهود أو التكامل بين الأدوار من أجل تحقيق هدف واحد، بل الجميع يسابق من أجل تحقيق الكسب الإعلامي، وفي النهاية يتضرر المستفيدون من عدم الوضوح والتضارب في التعليمات ولسان حالهم يقول "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". ومن الأمثلة الأشد قسوة أن تركز إحدى الجهات على الأعمال التطوعية متناسية ضعف الخدمات التي تقدمها في الأساس، مستعينة بقطاع الشركات لدعم مبادرات تنطلق من المسؤولية الاجتماعية للشركات بالتبني من أجل تحقيق الكسب الإعلامي والظهور على حسابات التواصل الاجتماعي بمظهر لا يعكس الحقيقة. هذه الأمثلة غيض من فيض مما نراه في محيطنا الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي، والحقيقة أنها توظف المصطلحات والمفاهيم الحديثة بشكل خاطئ.
في الحوكمة Governance مثلا، مراعاة تمثيل أصحاب المصالح، والأخذ برأيهم، ومنحهم حق المساءلة للمجالس والإدارات التنفيذية أمر لا يمكن إخفاؤه، وفي الواقع لا يمكن ممارسة هذا النشاط، لسبب بسيط وهو أن المنفذين ليس لديهم وقت للتفكير في حقوق المستفيدين أو الاستجابة لهم، مع ضعف واضح في أدوات وأجهزة الرقابة الرسمية ابتداء من مجلس الشورى وانتهاء بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة".
وفي المسؤولية الاجتماعية Social Responsibility ومنها مسؤولية الشركات الاجتماعية CSR التركيز على المنتج الرئيس وتجويده وتحقيق رضا عال من قبل المستفيدين يأتي أولا، وقبل أي أنشطة تطوعية أو توعوية خارجة عن النشاط الرئيس. المنتج أولا ثم بناء الشراكة مع المجتمع وتحقيق الرفاهية والمحافظة على البيئة وغيرها من التوجهات.
حتى لا يفقد المسؤول القدرة والسيطرة على مخرجات الجهة الأصيلة، يجب أن يتم التركيز على المنتج الرئيس والمستفيدين المباشرين، ثم الانطلاق نحو توسيع آفاق الشراكة التي تأتي ثانيا وليست أولا. والبعد عن تحقيق مكاسب سريعة وهشة لا تصمد في مواجهة الأزمات، وتبني فكرة بناء أساس متين لخدمة متكاملة، وهذا ما سيحقق المكاسب المستدامة والنافعة.