هل تخلى الصندوق العقاري عن دوره؟
تأسس صندوق التنمية العقارية بموجب المرسوم الملكي في عام 1974 وبدأ نشاطه الفعلي في عام 1975، وكان الهدف من إنشائه إعانة المواطن السعودي في تكاليف البناء للسكن، التي تشكل العقبة الأكبر للراغبين في التملك، حيث لم تكن تشكل تكلفة الأرض أي عائق أمام المواطن، في المقابل كانت تكاليف الإنشاء للوحدة السكنية التي الأصل فيها أن تكون "فيلا" هي العقبة الأكبر التي تواجه أغلب المواطنين، ولذلك عكف الصندوق على حل هذه المشكلة بإقراض المواطنين قرضا حسنا بمبلغ 300 ألف ريال لإنجاز البناء، ثم تم رفع قيمة القرض إلى 500 ألف بعد أن ارتفعت تكاليف الإنشاء للوحدات السكنية خلال السنوات العشر الماضية، مع طفرة المقاولات والبناء ومشاريع البنية التحتية في السعودية، ووفقا للتقرير المالي لعام 2014 فقد أقرض الصندوق منذ إنشائه قرابة 250.26 مليار ريال للأفراد، ما يعني أن مجمل قروضه تجاوز قروض السكن من المصارف التجارية مجتمعة بـ 150 في المائة، وكذلك قام بتمويل 2.485 مطورا عقاريا بإجمالي 4.69 مليار ريال، وبذلك يكون إجمالي ما ضخه الصندوق حتى نهاية 2014 في سوق العقار السكني هو 255 مليار ريال، وبعد هذا الأداء المالي الضخم والأموال التي تم بذلها فأغلبية المواطنين يحتاجون إلى إجابة عن سؤال مهم هو: هل تخلى الصندوق عن دوره؟ وهل سيفقد المواطن الدعم السكني الذي استمر إلى عقود؟
الإجابة المختصرة للسؤال هي "نعم ولا" في الوقت نفسه، أما الإجابة بـ "نعم" فتعني أن الصندوق قد تخلى عن دوره بالإقراض الحسن للمساكن بشكل مباشر، وحوّل هذه العملية للمصارف وشركات التمويل العقاري، وهذا يعني أن الصندوق قد تحول من جهة مانحة للقروض إلى منظمة لعملية التمويل السكني وتوجيه الدعم للأكثر استحقاقا، بينما الإجابة بـ "لا" تعني أن قروض المساكن ما زالت تحت إدارة الصندوق، وأن الدعم السكني المسمى بالتمويل المدعوم سواء للشراء أو البناء ما زال الصندوق مسؤولا عنه، و بعد توضيح إجابة السؤال، قد يتبادر سؤال آخر مهم هو: هل ما يقوم الصندوق بعمله حاليا إيجابي أم سلبي؟ والإجابة بأن الأمر فيه إيجابيات وسلبيات، أما السلبيات فلا يمكن حصرها في هذا المقام، ولعلي أشير إليها باختصار ثم أفصل فيها لاحقا، ومن أهمها أن الصندوق أسس لهدف تنموي يتعلق باحتياج أساسي هو السكن، ولم يكن يدقق في الملاءة المالية والدخل، وكان الشرط الأساسي أن تكون مواطنا سعوديا لديك أرض، ولذلك إحالة ملف التمويل إلى جهات ربحية قد يضعف من توجيه الدعم لذوي الدخل المتوسط والمنخفض، ما يعني أن على الصندوق ضمان إيجاد برامج تضمن حصولهم على مبلغ مناسب لا يقل عن 500 ألف موجهة إلى هذه الفئة بالخصوص، وكذلك وفقا للعمليات الحسابية والأعباء المالية، فلا ضير أن يتحمل الصندوق كامل الدعم لكل المواطنين لمبلغ 500 ألف، أو جعل الدعم شاملا لأغلب فئات المجتمع قدر المستطاع، كي تستمر فكرة القرض الحسن بكفاءة أعلى، حيث إن العبء المالي السنوي للصندوق بوضعه الحالي أقل بكثير بسبب إحالة المواطن إلى جهات التمويل وحصوله على أصل المبلغ منهم، ونتحدث تقريبا عن 22.5 مليار سنويا فقط لتمويل 1.5 مليون مواطن بواقع مرابحة 3 في المائة، وهذا يقودنا إلى أمر مهم هو محاولة تخفيف هامش المرابحة للمبالغ التي تزيد على 500 ألف بالاتفاق مع جهات التمويل لمن يتم تحويله من الصندوق، وإيجاد أدوات مناسبة لخفض الهامش بشكل أكبر عن طريق التصكيك، وغيره من الأدوات المالية.
في المقابل يمكن تلخيص الإيجابيات في، أولا تعزيز محفظة الإقراض للصندوق من خلال استغلال الموارد المالية التي تمتلكها المصارف وشركات التمويل، وذلك سيخفف العبء المالي المطلوب سنويا مقابل ازدياد عدد الذين يمكن دعمهم من خلال الصندوق، ولنعطي مثالا واقعيا على ذلك، ففي عام 2014 أقرض الصندوق قرابة 19 مليار ريال لـ 38 ألف مواطن تقريبا بواقع 500 ألف لكل مواطن، لو تم سداد هذه الـ 19 مليار ريال سنويا كدعم كامل للمرابحة 3 في المائة مثلا لتمويل وحدة سكنية أو بناء سكن لمواطن لتمكن الصندوق من إقراض 1.26 مليون شخص، لكن بالطبع هذا مستحيل نظرا لضخامة المبلغ الأساس المطلوب وهو 633 مليار ريال تقريبا، وهذا المبلغ لا يمكن توفيره بسهولة من قبل جهات التمويل، لكن لنأخذ 5 في المائة من هذا العدد، حيث يكون الإقراض لضعف عدد من تم إقراضهم في 2014 بواقع 78 ألف مواطن، نجد أن الموارد المالية المطلوبة سنويا لسداد كامل مرابحة المصرف وليس جزءا منها فقط تعادل 1.33 مليار ريال، ولذلك فمبدأ الفكرة جيد ومنطقي وسيعجل بإنهاء قوائم الانتظار، ثانيا أن أولويات الدعم هي لأصحاب الدخل المنخفض والمتوسط وفقا للدخل وعدد أفراد الأسرة، وهذا يعني حصول المستحق فعلا للدعم السكني على أولوية الإقراض، بدلا من النظام السابق الذي يعتمد أولوية التقديم، ثالثا فإن كفاءة التحصيل سترتفع، لأن الجهات المصرفية والتمويلية لديها أساليب أكثر ضبطا في التحصيل من الصندوق، وبالتالي لن يكون هناك أي هدر للموارد المالية، وأخيرا أود الإشارة إلى أن جميع المنتجات التمويلية صيغها متوافقة مع الشريعة الإسلامية.