Author

أنا لا أنفع في هذا المجال

|

قبل سنوات التقيت شابا مبدعا في البرمجة. عرض علي مجموعة من المواقع والتطبيقات التي قام بها وأذهلتني جدا. المفاجأة أن أغلب مشاريعه حبيسة الأدراج. سألته عن سبب عدم افتتاحه لموقع أو حتى حساب في الشبكات الاجتماعية يستعرض فيه إبداعه ويستثمر موهبته وينقلها إلى مستوى أعلى، فصدمني عندما أخبرني أنه لا يعرف التعامل مع الناس وتكمن نقطة قوته في العمل نفسه ويشعر أنه ضعيف جدا في التواصل ويفتقر إلى مهارات التسويق. اختلفت معه وقلت له، إنه تملكني شعور مختلف تجاه تواصله، فلم أشعر بأي ضعف فيه، بل على العكس تماما. لقد شعرت بكل كلمة اندلعت من لسانه وتدفقت مع نبضاته. إذ لامست شغاف قلبي وانسابت إلى أعماقي. لم يقتنع بكلامي واعتقد أنها مجرد مجاملة. أكدت له أنني لم أجامله وكل ما بحت به هو شعور صادق إزاء ما سمعت منه ورأيت. لم أرغب في استنزاف كثير من النقاش في ظل تمسكه برأيه واقترحت عليه أن يبحث عمن يساعده في التسويق بدلا من هدر موهبته بهذه الطريقة. غادر ولم نلتق منذ سنوات إلا قبل أيام في مناسبة كبيرة كان فيها متحدثا مفوها يتحدث عن أحد منتجاته بدفء وحب وشغف وحماس. صافحته بحرارة وهنأته وقلت له: "ماذا حدث؟ أراك مميزا في حضورك وتعاملك مع الناس؟ كيف طردت حالة القلق التي كانت تعتريك؟". ابتسم بسخاء وهطل بغزارة قائلا: "كنت في وهم يا عبدالله. ظننت أنني لا أجيد التواصل لكن عندما جربت نفسي وخضت مفاوضات وحوارات اكتشفت أنني طبيعي جدا".
رددت عليه قائلا: "لا تتواضع أكثر من اللازم. أنت مميز جدا في التواصل. هذا الشيء لمسته منذ اللقاء الأول".
القصة أعلاه دلالة ناصعة على نظرية شهيرة في علم النفس اسمها: تهديد الصورة النمطية Stereotype threat وهي تتناول حالة القلق التي تعتري جماعة أو فئة محددة عندما يقومون بمهام رسم عنهم انطباعا سائدا أو صورة نمطية بأنهم لا يجيدونها.
فقد استشهدت النظرية علميا بارتباط الذكاء بأعراق معينة، فأصبح بعض الأشخاص المنحدرين من أعراق أخرى يخشون دخول جامعات شهيرة وقوية خشية الفشل نتيجة هذه الصورة النمطية.
وكذلك الحال بالنسبة لصاحبي الذي استسلم لصورة نمطية حبس نفسه داخلها. فقد قرأ أو سمع عنها فصدقها وهي أن المبرمجين أو التقنيين بشكل عام غير جيدين في التواصل.
يا صديقي لا توهم نفسك وتكون فريسة لصورة نمطية زرعها غيرك في رأسك. حاول وجرب. والتجربة خير برهان. لقد خسرنا كثيرا من الفرص لأننا اعتقدنا أو ظننا. أكثر ما يقتل أحلامنا هو الصور والقوالب التي نسجناها في مخيلاتنا فأصبحت حبالا شنقت طموحاتنا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها