حوكمة الجامعات .. مطلب للبناء
واجه التعليم العالي خلال الفترة الماضية كثيرا من التحولات الجوهرية، التي يراد لها أن تسهم في إعادة صياغة وتوجيه هذا القطاع المهم. ابتدأت هذه المرحلة منذ تم دمج وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي في وزارة التعليم، الذي صاحبه إلغاء مجلس التعليم العالي مطلع عام 2015. وقد أعلن بعد ذلك عن إعادة بناء نظام للجامعات ليحل بدلا عن النظام السابق ويمنح الجامعات مزيدا من الاستقلالية الإدارية والمالية، وهذا مطلب مهم لمنح الجامعات الفرصة للتطوير والبحث.
الجامعات تتميز عن غيرها من مؤسسات التعليم العام بثقافة مؤسسية تمكن الجميع من المشاركة في صنع القرارات وإدارة المناشط بشفافية عالية. وتعتمد في هيكلتها علي نظام المجالس والعمل الجماعي لصنع القرارات وصياغتها، وتمتاز كثيرا بقدرتها على التطور بشكل مستمر وبعيدا عن القيود المفروضة من النظام المركزي في الإدارة.
نظام حوكمة الجامعات أحد أفرع الحوكمة في المؤسسات الخدمية العامة التي استقت مبادئها من حوكمة الشركات Corporate Governance. ويمكن أن تعرف بشكل شامل ومبسط لهذه الإجراءات من خلال التعريف الإداري الذي أطلقه ستيجر وأمان Steger and Amann 2008 الذي يعرف الحوكمة بأنها إنشاء وتأسيس هيكل واضح يضمن المساءلة، والمسؤولية، والشفافية ويعرف الدور الذي تقوم به المجالس والإدارات التنفيذية.
من هذا التعريف نفهم أنه يجب أن تطبق الجامعات نظام حوكمة فعالا لتضمن وجود أنظمة شفافة تؤطر لعمل المجالس واللجان، ويحدد الصلاحيات والمهام التي تمنح للإدارات التنفيذية علي جميع مستويات الهرم الإداري، التي تشكل ضمانا لتحديد المسؤوليات، وتطبيق المساءلة بأنواعها المختلفة في بيئة ذات شفافية عالية ومشاركة من جميع قطاعات المستفيدين All Stakeholders.
ضمان وجود آلية واضحة لاختيار المسؤولين، مع تطبيق آلية الانتخاب أو التعيين وفقا للكفاءة سيغلقان الباب أمام كثير من الاعتقادات التي تقول إن النظام الإداري في مؤسساتنا نظام يعتمد على العلاقات الشخصية بين المسؤول الأول والعاملين دون البحث عن الكفاءة.
الإفصاح والشفافية من أهم مقومات النجاح الذي تسعي لتطبيقه مدارس الحوكمة المختلفة، ولهذا يجب الاهتمام بتفعيل آليات أكثر وضوحا للإفصاح عن المعاملات والعلاقات الداخلية في الجامعات، وهذا من أكبر العوائق أيضا التي قد تواجهها حاليا.
ضمان وجود نظام فعال للمساءلة سيحد كثيرا من تضارب المصالح ووجود معاملات خفية تحركها مصالح أشخاص أو مجموعات تسعى للوصول لمكاسب ذاتية بعيدا عن النفع العام.
منح الجامعات الاستقلالية في صنع القرار سيمكنها من إدارة مؤسساتها العلمية والبحثية، وسيفتح المجال أمامها لمزيد من الاستثمار في الأوقاف والعمل المجتمعي من أجل الارتقاء بالمستوى العام لمدنها، كما سيفتح المجال أمام منافسة عالية بين الجامعات من أجل ضمان الارتقاء بالعمل الداخلي.