يمكننا مواجهة أخطار السيول

لا شك أن هناك تغيرات مناخية حادة تمر بها شبه الجزيرة العربية، وقد أخبر النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أن الجزيرة ستعود مروجا وأنهارا، وهو أمر ملاحظ؛ فلم تكن الجزيرة العربية تعرف هطول الثلوج شتاء سوى في السنوات الأخيرة، كما لم تكن كمية الأمطار تهطل بمعدلات مرتفعة عن المألوف إلا قريبا، ولم يؤخذ في الاعتبار في البنية التحتية لجميع مدن المملكة تهيئة المدن لهذه الكمية من الأمطار، كما أن مشاريع تصريف مياه الأمطار الغزيرة والمتوسطة التي تم إنجازها هي عبارة عن حلول ولم تكن جزءا من إنشاء البنية التحتية.
ورغم كل ما كتب عن حلول ومشاريع لدرء مخاطر السيول، وهي من متخصصين في بعض تلك المشاركات. إلا أننا لا نزال ندور في دائرة مغلقة، بل هناك من يتوقع أن تكون كميات الأمطار الغزيرة والمتوسطة في الأيام المقبلة أكثر مما مضى وأكثر مما هي عليه الآن. والسؤال الأهم أين نجد الحل والمشكلة تكاد تتكرر كل عام. والواقع أن هناك مشاريع تم تنفيذها بالفعل، وتم درء أخطار السيول المقبلة من خارج المدينة، كما هو الحال في مدينة جدة، وفي مشاريع أخرى كان سوء التنفيذ حاضرا ربما لظروف الاستعجال أو خفض مستوى الجودة لتوفير التكلفة الإجمالية.
وحتى لا تضيع الجهود مجددا، كما حصل في التحقيقات التي تمت على مدى سنوات حول كارثة سيول جدة عام 1429هـ، حيث إن التحقيقات خاضت في تفاصيل واتهامات لا علاقة لها بالكارثة، ولكن التوجيهات التي صدرت للجنة التي كونت لمعالجة قضية سيول جدة كانت تتمحور حول معرفة المتسببين في الكارثة ووضع حلول هندسية لمنع تكرار الكارثة بالقضاء على مسبباتها، ولكن مشكلة مياه الأمطار بقيت دون حلول شاملة على الرغم من مرور سنوات على الكارثة.
لقد كان الأولى أن يقوم الذين كلفوا بمعالجة الكارثة بوضع حلول عملية تضمن عدم تكرار الكارثة، وإلى اليوم فإن جدة على سبيل المثال محمية من السيول القادمة من خارج المدينة، ولكن لا يوجد تصريف لمياه الأمطار التي تهطل داخل المدينة ولا تستطيع أن تقاوم الأمطار بكفاءة؛ لأنه لم يتم وضع الحلول الكفيلة بتوفير شبكة متكاملة لتصريف الأمطار، كما أنه لا توجد متابعة لإنجاز باقي مراحل المشروع، ولذا لم تصل جدة حتى اليوم إلى مرحلة الأمان من أخطار السيول.
وحتى اليوم لم ألاحظ أن هناك توجها للاستفادة من الخبرات والتجارب غير السعودية في مواجهة أخطار السيول والأمطار الهاطلة داخل المدن وخارجها؛ فهناك شركات عالمية متخصصة وذات خبرة عملية في معالجة المخاطر التي تواجه المدن، ومنها مخاطر الكوارث الطبيعية وأهمها السيول والأمطار، ولو استفدنا من تلك الشركات الخبرة الاستشارية في هذا المجال، فهذا أمر كاف في حل الأزمة بوضع الدراسات المستقبلية، وعلى المدى البعيد الذي يكفل تخفيف الأخطار في الأعوام المقبلة.
أيضا توجد الغرف التجارية والصناعية في جميع المدن والمناطق، ومن المفيد أن توجد لجنة من القطاع الخاص في كل من هذه الغرفة، ومن تجار ورجال الأعمال في المدينة أو المنطقة ودورهم هو المشاركة مع القطاع العام في دراسة أخطار السيول ووضع الحلول المناسبة والاقتراحات الملائمة وتنفيذها وفق خطة عملية، حيث يكون لكل مدينة لجنة معنية بهذه الظاهرة التي لن تكون في السنوات المقبلة أحسن حالا مما هي عليه الآن.
وفي حال بقاء أخطار السيول بهذا الحجم في السنوات المقبلة فإن ما تم إنجازه في البنى التحتية معرض للخسارة، كما أن الثقة في كفاءة معالجة هذه المخاطر والقدرة على حل المشكلة لن تكون في وضع جيد بعد كل هذه التجارب المتكررة، التي لم نخرج منها حتى الآن، ولا نزال ندور في دائرة مغلقة، بل هناك من يحاول البحث عن ضحية أو كبش فداء باسم مكافحة الفساد.

المزيد من مقالات الرأي