السعودة والمادة 77
يظهر للواجهة بين فترة وأخرى عدد من المشكلات التي تواجه الموظف السعودي في القطاع الخاص، وتتزايد معها النداءات بوجود ضعف في نظام العمل. في الأيام الماضية ظهرت مشكلة تسريح عدد من الموظفين السعوديين من إحدى الشركات، وظهرت مرة أخرى النداءات بوجود خلل في المادة 77 من نظام العمل يخول صاحب العمل الاستغناء عن الموظف وتعويضه ماديا عن الفترة المتبقية من العقد المحدد أو باحتساب مبلغ عن كل سنة في حال العقد غير المحدد. وتتعالى الأصوات بأن المادة 77 أو النظام يسمح لرب العمل بالاستغناء عن العاملين لديه بكل سهولة. وإن كانت هذه المعلومة فيها شيء يسير من الصحة، إلا أنها لا تمثل المشكلة الرئيسة. في أي مكان في العالم، الوظيفة في القطاع الخاص لا تعني الديمومة، وإنما ترتبط بأوضاع الشركة ونجاحها واستمرارها. فكل شركة ستتعامل مع موضوع الوظائف وفق قدراتها واحتياجاتها التشغيلية والمالية. وتظل المشكلة هنا ليست في بقاء الموظف السعودي أو رحيله، وإنما في كفاءة الموظف العملية في مقابل التطويرات التقنية والمالية والمنافسة مع اليد الوافدة.
في حالات تسريح الموظفين السعوديين التي يتناقلها الناس والإعلام، يظهر لنا الرقم المُستغنى عنه فقط. وإن كان الاستغناء عن موظف واحد يعامل في الأهمية كالاستغناء عن ألف موظف، إلا أن المعلومة دائما ناقصة فلا توجد شفافية من قبل الشركات في الإعلان عن وضعها الوظيفي وأسباب الاستغناء عن الوظائف أو الإجراءات التي اتخذت قبل الوصول إلى هذه الخطوة، أو الضغوط التي مورست على الشركات من أجل توظيف هؤلاء الشباب ابتداء، أو حتى الإفصاح عن الوضع التشغيلي والمالي لتلك الشركات التي قد تعاني ماليا.
الحقيقة أن وزارة العمل هنا تمثل الدور المتسلط على التجار وعلى المشاريع، فهي تحاول أن تنجح على حساب غيرها. سنت تشريعات وأنظمة يتحدث عنها التجار في الخفاء على أنها ظالمة، أسهمت بقصد أو دون قصد في إيجاد التوطين الوهمي، وجعلت بعض الشباب السعودي اتكاليا وانتهازيا يبحث عن أقل مدخول في مقابل الراحة والبعد عن المنافسة. أكثر من 50 في المائة من الموظفين السعوديين مسجلون برواتب أقل من ثلاثة الآف ريال. أوجدت مشاريع وصناديق مساندة لاستنزاف التجار ووجهتها بطريقة لا تسهم في إيجاد الحلول بعيدة المدى بقدر ما تصنع من هالة إعلامية محدودة ولا تؤثر كثيرا.
حتى ينجح التوطين يجب أن يتشارك في ذلك جميع أصحاب المصالح للوصول إلى صيغة معقولة تحقق المكاسب للجميع، وتجب إعادة النظر في أنظمة وزارة العمل وتطبيق أعلى معايير الحوكمة عليها حتى يتأكد الجميع من عدالة هذه البرامج والمشاريع، ومن شفافيتها دون الخوض في المصالح الوقتية التي تخدر الرأي العام ولا تحل إشكالات المجتمع على المدى البعيد. لابد من إيجاد سوق عادلة للوظائف بين أبنائنا والأيدي العاملة الوافدة ولن ينجح توطين الوظائف ما دامت هذه المعادلة غير محققة.