هل سيحسن ميثاق الشرف الإعلامي من الأداء؟
في الاجتماع الأخير لمجلس هيئة الصحفيين السعودية، أقر المجلس تشكيل لجنة لإعداد ميثاق شرف للصحفيين، ومع أن الهيئة تأسست منذ سنين وكنت أظن أن الميثاق كان من أولويات الهيئة، إلا أن التفكير في الميثاق جاء متأخرا جدا، ولا أعلم لماذا هذا التأخير رغم أهمية الميثاق.
ميثاق الشرف ضروري في أي مهنة، ولا يمكن تصور مزاولة مهنة الطب دون ميثاق الشرف، الذي يحترمه الطبيب ويلتزم به في عمله اليومي، كما أن مهنة الهندسة لها ميثاقها، وكذلك المعلمون والمحامون، إذ إن ميثاق الشرف كالبوصلة التي تسهم في تحديد الاتجاه لصاحب المهنة مهما كانت، سواء في أداء المهمة المناطة به، أو في تعامله مع زبائنه إن كانوا مرضى فلا يفشي أسرارهم، ولا يخل بإنجاز المهمة، بل يؤديها بكل مهارة ومهنية، مستحضرا حاجة المريض وتلهفه للعلاج وتجاوز المرض، وهذا ينطبق على المهن كافة.
مهنة الإعلام أو ما يسميها البعض مهنة المتاعب، لها مشكلاتها الخاصة بها سواء في الوصول إلى المعلومة، والخبر، أو في موضوعية النقل، وعدم التحيز، أو في الصياغة، وعدم التدليس والإيهام فيما ينشر للجمهور من أخبار، على أن الميثاق يفترض أن يوجه العاملين في المجال الإعلامي على أساس خدمة الجمهور، ولا غير، في نقل الأخبار والمعلومات التي تبصرهم بما يحدث من حولهم سواء في داخل الوطن، أو خارجه.
المهمة الإعلامية تتمثل في جمع المعلومات من مصادرها الأساسية، بدلا من الاعتماد على مصادر ثانوية، على أن يتأكد الإعلامي من دقة المعلومة، ومستوى الثقة بالمصدر، الذي يتم استقاء المعلومة والخبر منه، حتى لا يتم تضليل الجمهور بما يتم نقله لهم، على أن يتم التأكد من المعلومة من مصادر عدة قبل نشر التقرير، وهذا لا يتحقق ما لم يستشعر الإعلامي المسؤولية فيما ينقله ويقدمه من معلومات، فلا السبق الصحافي والاستعجال، ولا أي عذر يبرر تقديم معلومات غير صحيحة، أو مشكوك فيها، كما أن دقة العمل الصحافي تستوجب تناول الموضوع في واقعه الحالي، مع الأخذ في الاعتبار سياقه التاريخي إن كان الحدث له امتداد زمني، أو معطيات اجتماعية، وثقافية، أو اقتصادية، وسياسية، ودينية. يفترض في الإعلامي أن يسلك الطرق المعتبرة في الوصول إلى المعلومة ويتجنب الطرق الملتوية، فكلما كان الأسلوب مباشرا وواضحا ونظاميا، كان ذلك أسلم للإعلامي وللجهة ذات العلاقة بالموضوع، تجنبا لأي مخالفة قانونية.
الاستشعار أن الصحافة وجدت لخدمة عموم الناس يحتم على الصحافي أن يجهد نفسه ويبذل قصارى ما يستطيع لمزاولة دوره بمهنية عالية، يتسم فيها بالموضوعية وعدم التحيز، بل النظر للموضوع كما هو، إضافة إلى أن يجعل من نفسه خادما لمصلحة الجمهور، يكشف لهم ما يسعى البعض إلى إخفائه والتستر عليه، أو تقديم معلومات مغلوطة بشأنه.
ثقة الجمهور بالإعلامي، وما يعرضه من معلومات يزيد منها تحديد المصادر التي اعتمد عليها في الوصول إلى المعلومة، كما أن المعلومات الوافية حول الموضوع تعطي المشاهد والقارئ فرصة للحكم على الموضوع، بدلا من الاختزال المخل في المعلومة، الذي يقع فيه البعض بهدف تثبيت ما يخدم غرضا يسعى الإعلامي إلى تحقيقه سواء رغبة منه أو خدمة لمصلحة طرف مستفيد من الخبر أو المعلومة المعروضة بهذه الصيغة.
من مواد الشرف الإعلامي التي أرى ضرورة أخذها في الاعتبار ما يرتبط بمصدر المعلومة أو الخبر، فطبيعة بعض المواضيع حساسة ولا يمكن الإفصاح عن مصدرها، حيث نسمع عبارة من مصدر رفض الكشف عن هويته، أو لا يمكن للصحيفة الكشف عن هويته، لذا يلزم احترام هذا الحق حتى لا يتعرض المصدر للإيذاء أو الخطر، كما أن الجهات ذات العلاقة بالخبر أو المعلومة كوزارة أو مسؤول في إدارة حكومية لهم الحق في الرد على ما يُعتقد عدم صحته، أو سوء فهمه.
الإعلامي إنسان كغيره من الناس عرضة لصراع بين مصالحه الذاتية، ونقل الحقيقة، وقد يجد البعض صعوبة في ذلك، حيث تغلب عليه مصالحه، ويضطر إلى تشويه الخبر، أو النقص في المعلومة، وأتذكر أن مراسلة إحدى القنوات الفضائية العربية كانت تصور شارعا في عاصمة عربية، تشهد ثورة في ذلك الوقت، وكانت الصورة من أحد الشوارع الخالية من المتظاهرين، في حين القنوات الأخرى تنقل صورا حية للشوارع المليئة بالمتظاهرين، وهذا يؤكد أن المراسلة أقدمت على هذا الفعل إما خدمة لتوجهاتها، ورغباتها الذاتية أو محافظة على مصالحها مع القناة التي هدفها إخفاء حقيقة المظاهرات، وهذا الفعل يتنافى مع مبدأ عرض جميع وجهات النظر سواء نتفق معها أو نختلف، ما يحدث عدم الثقة بالصحافي أو الوسيلة الإعلامية.
المبالغة في تصوير الحدث وإكسابه صفة تفوق الواقع يضر باطمئنان الناس ويفقدهم السكينة، ما يحدث اضطرابا يتسبب في هلعهم وخوفهم من مجهول متوهم، وهذا من شأنه إحداث إرباك أمني، أو زيادة مفاجئة في الأسعار لو كان الموضوع ذا شأن اقتصادي، كما أن التعميم خطأ فادح يقع فيه البعض، مثل أن يصف إعلامي شعبا بكامله بالتخلف، أو الإرهاب، كما يفعل بعض المغرضين ضد وطننا، أو أمتنا، حيث يوصف المسلمون بالإرهاب لأن واحدا منهم قام بفعل لا يقره دين ولا ثقافة ولا قيم.
سؤال جوهري يلزم التأمل فيه ومقارنته بالواقع.. ما مدى التزام الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بالمواثيق الأخلاقية التي تصوغها وتقرها مجالسها؟ وهل الجهات الرقابية والحقوقية تحاسب من يخالف الميثاق الأخلاقي للجهة التي يعمل فيها؟! في الواقع نرى ممارسات إعلامية تتنافى كلية مع ما وضع من مواثيق، ما يوجد تناقضا معلوماتيا وأخبارا غير دقيقة تحدث إرباكا وعدم ثقة بالقرارات والتوجهات التي تتخذ من الجهات الرسمية.