الأمل والتغيير

أتى فوز ترمب بالانتخابات الأمريكية عنوانا لمرحلة جديدة ليس في أمريكا وحدها ولكن في أماكن أخرى من العالم خاصة في العالمين الغربي والعربي. يأتي التغيير عادة بسبب الغضب والتململ الذي ينقل من مرحلة إلى أخرى. الغريب أن حالة الغضب بدأت من العالم العربي ولو أن معرفة البداية دائما صعبة بسبب الطبيعة التراكمية للتململ والغضب. فما بدأ وكأنه ربيع عربي انتهى بالعنف في دول عربية مثل سورية وليبيا واليمن والعراق. الغريب أن حالة الغضب كانت في أشدها في العالمين العربي والغربي على اختلاف الخلفية التاريخية والموضوعية لهما. لم يسلم أكثر المجتمعات استقرارا مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما يحمل من تهديد للوحدة الأوروبية. عادة لا يحدث تغيير دون غضب ولكن التغيير طريق الأمل ولذلك لابد من قبول وتفهم درجة من الغضب لإحداث نقلة نوعية ولكن بشرط تسخير القوة العاطفية نحو الأمل والتغيير الإيجابي. هناك حالة من الغضب لدى كثيرين يعبر عنها بطرق وقنوات رسمية وغير رسمية، وإن هذا دليل صحي على الرغبة في التغيير والأمل في حالة أفضل، بل هناك ما يشير إلى وجود الغضب لدى النخب. أحيانا لا تكون حالة الغضب عند النخب واضحة ولكنها موجودة ولذلك أنا متفائل. سبب التفاؤل تلاقي الرغبة العامة مع تفاعل النخبة.
أنا متفائل لعدة أسباب بعضها خارجية وأخرى داخلية. على الرغم مما أظهر ترمب وبعض أعضاء فريقه المقترح من توجهات عنصرية إلا أنه في نظري أفضل من الديمقراطيين للدول المحافظة النفطية التي على علاقة طيبة تاريخيا مع أمريكا. ترمب ليس آيديولوجيا في الجوهر وإنما أقرب إلى أن يكون تاجرا شعوبيا قوميا، فهذه النزعات تحمل مساحات كافية للتعامل مع إدارته. لعل نقطة البداية الإيجابية أن لديه توجهات تخدم الصناعة النفطية وتمديد عمر النفط الاقتصادي، حيث لديه توجس من السياسات البيئية وقلة حماس نحو مصادر الطاقة البديلة. كما أن للديمقراطيين وحتى بعض الجمهوريين مطالب في السياسة الداخلية لحلفائهم قد لا تكون في وئام مع المرحلة لكثير من هذه الدول التي غالبا لا يفهمها الغربيون. لذلك قد تغلب على سياسة ترمب نحو المنطقة ودولها صبغة "تجارية" بمعنى البحث عن صيغة تبادلية نفعية وهذا قد يناسب المنطقة في هذه المرحلة من التغيير. استقرار نسق العلاقة مع أمريكا والدول الغربية مهم في مرحلة التغيير. ولكن أيضا هناك مراجعة مستحقة لنسق العلاقات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح الوطنية. كما أن ترمب وبعض مساعديه أبدوا تفهما لدور إيران في دعم الإرهاب والرغبة التوسعية. الطابع الداخلي للغضب بدأ يأخذ توجها إيجابيا محموما في البحث عن حلول عملية بعضها عالق منذ عقود ولم يسلم كثير من النخبة والتكنوقراط من النقد والفرز إلى حد التخلص من بعضهم بسرعة غير معهودة بسبب القصور في الأداء.
تجربة المملكة ستبقى فريدة تاريخيا وموضوعيا. كثير من عناصر هذا التفرد تتضمن ما يكفي لمواصلة العطاء والبناء على تأسيس الدولة والأخذ بها إلى مدار أعلى. تلوح في الأفق درجة من التوافق بين البعدين الخارجي والداخلي. استغلال الظرف التاريخي قد يشكل نقطة انعطاف تاريخية ولكن تحقيقها سيتم من خلال خطوات عملية على الأرض تلامس تصرفات الناس فرديا وجماعيا. الخطوات كثيرة بعضها مالي وبعضها اقتصادي وبعضها معنوي ولكن لابد من مركز ثقل يسخرها للخدمة العامة. لعل المرحلة تقتضي الابتعاد عن العناوين الكبيرة ولكن حلولا عملية مترادفة تصب في اتجاه واحد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي