Author

الجامعات .. الحوكمة في مواجهة الفساد

|
يروي الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - في أحد لقاءاته أن الملك فهد - رحمه الله - غضب غضبا شديدا حينما علم أن أحد مديري الجامعات قد عين ابنه "معيدا" في الجامعة التي يديرها رغم عدم أحقية ابنه النظامية بذلك، وقد كان "الملك فهد" كما يروي "يماني" يردد بغضب أن أساتذة الجامعات هم قدوة للمجتمع وعلى أيديهم تتخرج أجيال وأجيال فكيف يرضون الإساءة لأنفسهم ومجتمعهم؟ أسرد هذه القصة هنا وأنا أقرأ بأسف بالغ عشرات القوائم التي نشرتها مواقع "التواصل الاجتماعي" من الموظفين والموظفات في عدة جامعات وكلهم أبناء مدير الجامعة أو أبناء أسرته المقربة، ومعظمهم تم تعيينه بدرجة معيد على حساب نخبة من المجتهدين والمجتهدات المستحقين فعلا لهذه الوظائف. وإذا كان الملك فهد - رحمه الله- قد غضب لمعيد واحد تم تعيينه بواسطة أبيه، فكيف اليوم بعشرات المعيدين والمعيدات مؤهلاتهم آباؤهم وأشقاؤهم من ذوي النفوذ الجامعي العالي؟ والسؤال الملح ماذا سيقدم الأستاذ الجامعي لمجتمعه وجامعته وطلابه وهو يدرك تماما أنه بدأ حياته بالكذب والتزوير والمحسوبيات؟ كيف سيعلم طلابه قيم النزاهة والصدق والجدارة والشفافية وهو لم يمارسها؟ أي انفصام هذا؟ لقد تحولت الاستقلالية والمرونة في بعض الجامعات بهدف استقطاب الكفاءات إلى ثغرة خطرة ينفذ منها الفاسدون وأساؤوا للنظام الجامعي بهذه التجاوزات وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة التعليم الجامعي بهدف إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح وإعطاء كل ذي حق حقه. وأتمنى أن تكون هناك حملة شاملة بمشاركة مختلف الجهات الرقابية لفحص ملفات كل المعينين في جامعاتنا والتأكد من أحقيتهم بذلك واستبعاد القوائم التي جاءت بطرق المحسوبيات والتزكيات غير الشرعية فالمخالفات لا تسقط بالتقادم، أما مستقبلا فلا سبيل إلى الوقاية من انتشار الفساد في الجامعات إلا بتطبيق نظام "الحوكمة" الذي يضمن توجيه أعمال الجامعات ومراقبتها بشكل شامل لتحقيق أهدافها خاصة أن الحوكمة ترتبط بتطبيق قيم العدالة، والشفافية، والمسؤولية والمساءلة، والأدوار الواضحة المكتوبة للعاملين، والمتابعة والتطوير، وتحسين العمليات، وإجراءات العمل والتفويض وطرق الاتصال الفعال، وكتابة الميثاق الأخلاقي الذي يحدد المعايير لسلوك الأفراد بما يضمن التزام كل فرد بالعمل وفق المعايير التي يحددها إطار الحوكمة بمشاركة فاعلة من الأساتذة والموظفين والطلاب فتطبيق "الحوكمة" لا يمكن أن يكون بشكل انتقائي، خاصة أن الجامعات تدرك تماما الدور الحيوي للحوكمة في تعزيز البناء المؤسسي، والارتقاء بجودة المخرجات وتحقيق العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وتطوير منظومة العمل الإداري والأكاديمي على المستويات كافة. إن تطبيق الحوكمة لا يحتاج إلى ميزانيات ولا مشاريع واعتمادات إضافية بقدر ما يحتاج إلى الإرادة ومواكبة المتغيرات التي تجعل من الجامعات مراكز إشعاع معرفي وثقافي وإلا ستبقى في خانة المؤسسات الهامشية الغارقة في "البيروقراطية" والمحسوبيات وسيطرة الفرد الواحد.
إنشرها