Author

هكذا علمتني الأيام «15»

|
كآبة النجاح: إيرنست همنجواي، أشهر روائي أمريكي في القرن العشرين في رأيي. وهو من أشهر مراسلي الحروب في العالم، بل هو الذي كرس المراسل الحربي الحقيقي الذي لا يكتفي بمراقبة ونقل الأحداث، بل يشارك فعليا في الحرب كجندي محترف وأصيب برصاصة في غمارها. لما تقرأ روايته "لمن تقرع الأجراس" أو و"داعا للسلاح"، وفي قصصه القصيرة عن المعارك، خصوصا في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية ستشمون رائحة البارود تملأ أنوفكم، ويدق الموت والصراخ بوابات عيونكم، لأنه ممارس فعلي للحرب وبعين عاصفتها، ثم إن همنجواي ليس كاتبا لغويا كلاسيكيا راقيا، بل لغته بالدارجة الأمريكية الجنوبية، لكن له قدرة فريدة على البناء المشهدي كمن يشاهد فيلما سينمائيا. نجاح إرنست همنجواي كان أكبر من طموحه، يعني اشتهر رغم أنفه، مع طبع نزق ومأزق نفساني بعد الحرب وسكر متواصل، وقصة حب هائلة الفشل. كل ذلك طغى عليه وضغط على حياته وضيّقها وهو في أوج شهرته وثروته، فانتحر مطلقا آخر رصاصة معركة في حياته. هذا الرجل المحارب الشرس هزمه نجاحه. وهنا شيء من أقواله مع تعليقي الخاص: ــ بعد أن تخرب الأشياء يبرز الأقوياء من بين الركام: الذي يقوم بالحرب، والذي يخرب ما هو قائم متين الأركان، ليس هو الشخص القوي، إن الأشخاص الضعاف المترددين والخائفين على مكاسبهم الشخصية هم من يشعلون فتيل الاقتتال، وهم من يخربون كل شاهد قائم، وكل معمار جميل وكل فن راق وأي وجوه من منافع الحضارة، ولكن.. من بين كل هذا العبث والدماء والتوحش يخرج الأقوياء الطيبون الذين رغم كل مظاهر التدمير يقودون الناس لإعادة البناء وللإزهار مرة أخرى.. وللسلام. ــ ليس هناك إلا طريقة واحدة لاختبار الناس: يقول همنجواي إنه ليست هناك إلا طريقة واحدة لاختبار الثقة بالناس، وهو أن تثق بهم. وهنا أمر نفسي وذهني وانطباعي يستحق الفحص، وهو أن الذين لا يثقون بالناس تبقى عدم ثقتهم بهم حتى لو ثبت أنهم ثقات. ستجد أنهم سيجدون مبررات لعدم الثقة، والتبرير مخادع شاطر للعقل والحكمة في وزن المعطيات. بينما تجد من يقدمون الثقة بالناس ستحدث إحدى هذه النتائج الثلاث: أ ــ إما تثبت ثقتهم بالدليل الواقعي. ب ــ وإما تكون الثقة بهم حافزا لإثباتها فعلا كرد جميل لمن احترموهم، وراهنوا على حسن خلقهم. ج ــ أو أن يثبت أنهم لا يستحقون الثقة فيبتعد عنهم نهائيا.
إنشرها