Author

أولياء الأمور .. وأبناؤهم في الجامعات

|
بدأ أبناؤنا عامهم الدراسي الجديد ساعين إلى تحقيق أهدافهم من أجل حياة رغدة ومستقبل مشرق وخدمة لوطن معطاء وأمة مجيدة. وكل منهم بدأ مرحلة جديدة وقد تكون مختلفة بعض الشيء عن سابقاتها. ولعل التباين لا يكون ظاهرا بين مراحل التعليم العام الذي يتم فيه التدرج في تقديم المعلومات والموضوعات مع بقاء عناصر البيئة التنظيمية متشابهة بين المراحل الثلاث من الابتدائية إلى الثانوية. ولكن الاختلاف الشاسع والتباين الكبير يواجه الطلاب الذين يضعون أقدامهم لأول مرة في الجامعات نتيجة جهلهم بالاختلاف بين مؤسستين تقدمان الخدمة نفسها ولكنهما تتباينان في المنهجية وتختلفان في الرؤية؛ لذا سيكون تركيزنا في هذا المقال على الطلاب الذين يبدأون حياتهم الجامعية لأنهم يحتاجون بالفعل إلى الرعاية والاهتمام والتحفيز والرقابة وتتبع خطواتهم أكثر من غيرهم. يتوقع الآباء من أبنائهم الذين حالفهم الحظ وتم قبولهم في الجامعات أنهم شبوا عن الطوق، ويرى أولياء الأمور أنه طالما تم قبول أبنائهم فتخرجهم مسألة وقت؛ فيهملون متابعة أدائهم وملاحظة سلوكياتهم غير مدركين التباين الشاسع بين بيئة التعليم في المدارس وبيئة التعليم في الجامعات، وهو يعتبر أكبر عائق يواجه أبنائهم عند دخولهم الجامعات والسبب الرئيس لإخفاقهم وتسربهم مبكرا من التعليم. فرغم أن كليهما (المدارس والجامعات) تمارسان وظيفة التعليم إلا أن الآليات التشغيلية والموارد البشرية والبنية التحتية مختلفة تماما عن بعضهما. كما أن أهداف وآليات العمل مختلفة والبرامج وطريقة التقييم وتأهيل الأساتذة ونوعية القيادة كل شيء مختلف. فعلى سبيل المثال تعتبر البيئة الجامعية بيئة مفتوحة؛ فلا يمكن إغلاق أبوابها أو رفع أسوارها كما هي الحال في التعليم العام. فالطالب الجامعي يمكنه أن يحضر جميع المحاضرات، ويمكنه أن يغيب عشرات المرات. ومهمة أستاذ الجامعة في هذا الجانب تقتصر على رصد الغياب وليس له الحق في الاستفسار عن سببه كما هي الحال في المدارس، بل إن بعض المواد في الجامعات لا تتطلب توثيق حضور الطلاب لأن طبيعة المادة وطريقة عرضها ترغم الطالب على الحضور. كما أن بعض أساتذة الجامعات لا يعترفون بالطريقة التقليدية في تحضير الطلاب ويرون أنها مضيعة للوقت؛ لأن تسجيل حضور الطلاب يستغرق في بعض الشعب أكثر من ربع وقت المحاضرة وهناك مادة علمية تنتظر يجب تغطيتها فيهمل الأولى ويركز على الثانية. كما أن آليات التدريس تختلف في المدارس عنها في الجامعات. فالمعلم يلقن الطالب ويعيد ويزيد حتى يتأكد من إتقانه المهارة أو استيعابه المعلومة، وهذه الخاصية غير موجودة في الجامعات. فأستاذ الجامعة يحاضر لجمع من الطلاب من تخصصات مختلفة، وليس عليه أن يتأكد من استيعابهم لما يقول، ولكن من يواجه غموضا أو لديه تساؤل فما عليه سوى التوجه لمقابلة أستاذ المادة خلال الساعات المكتبية. وقد يصل الأمر في بعض التخصصات إلى أن يتولى تدريس المادة الواحدة عدة أساتذة كل أستاذ معني بموضع بعينه، وهذا غير موجود في المدارس. ويصل الاختلاف أوجه بين مؤسسات التعليم العام والعالي أن المعلم يجب عليه الوجود يوميا وتوثيق حضوره خطيا ومتابعة حصصه واحدة تلو الأخرى، بينما في الجامعات ليس من المألوف حضور الأستاذ كل يوم، ولا يوجد توثيق لذلك الحضور، بل قد ينتقل بطلابه من قاعه إلى أخرى، وقد يلقي محاضرته خارج أسوار الجامعة؛ لأن البيئة الجامعية تعارفت على أن عضو هيئة التدريس لن يتغيب إلا لظرف طارئ كمشاركته في مؤتمر أو ندوة، ويتوقع منه تعويض فترة انقطاعه لاحقا وهذا العرف لا يعد من مكونات الثقافة التنظيمية في مؤسسات التعليم العام. هذه مجرد أمثلة للبون الشاسع والاختلاف الكبير بين بيئة المدارس وبيئة الجامعات. فعندما ينتقل الطالب من بيئة مغلقة الأبواب عالية الأسوار (المدرسة) ويلتحق ببيئة مفتوحة (الجامعة)، حدودها غير واضحة، وعناصرها الثقافية من قيم وعادات وأعراف مختلفة تماما عما تعود عليه، فستكون هناك بالتأكيد صعوبة في تقبل هذا الوضع وسيواجه الطلاب كثيرا من العقبات وقد تضيع بهم الخطى وتضيق بهم السبل، خصوصا أولئك الذين يرون المرونة والحرية المطلقة التي تمنح لهم في الجامعات على أنها فوضى يمكن استغلالها. كيف يتعامل الطالب الذي اعتاد على بقائه في المدرسة من بزوغ الشمس إلى زوالها مع هذه الحرية المطلقة فأصبح له الحق في الحضور والانصراف والتأخر متى ما أراد فلا رقيب ولا عتيد. إن مهمة استيعاب الطالب المستجد للثقافة التنظيمية للجامعات ومقدرته على فهم البيئة التنظيمية تأخذ منه كثيرا من الوقت. فالمعضلة الكبرى التي تواجه أبناءنا المستجدين تتمثل في سوء تقديرهم لما يحدث وعدم فهمهم مبكرا لحقيقة ما يجري؛ فيظل بعضهم في حالة ضياع حتى يشعر أنه اقترب من الهاوية، وأن هناك أشياء كان من الممكن عملها وأخرى كان من الممكن تفاديها عندها يتيقن أن أنظمة الجامعة وضعت لمن يتوقع منه أنه تعدى مرحلة السفه وبدأ مرحلة النضج فيبدأ في لملمة أوراقه لعله ينقذ ما يمكن إنقاذه. أبناؤنا في الجامعات يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم في هذا الضباب الكثيف. ورغم أن المؤسسات المعنية والإرشاد الطلابي في الجامعات تتحمل جزءا من مسؤولية توعية الطلاب بما ينتظرهم وكيف يتعاملون مع هذا النظام المفتوح على مصراعيه إلا أن ولي الأمر يتحمل النصيب الأكبر لأن هناك عوائق تواجه الجامعات في تفعيل الإرشاد الأكاديمي يصعب تغطيتها في مقال كهذا. لذا على ولي الأمر أن يكون على مقربة من أبنائه خصوصا في المراحل الحرجة من الحياة الجامعية بطريقة تليق بالمرحلة العمرية التي يمرون بها والعصر الذي يعيشون فيه حتى لا تؤدي المرونة التي تمنح لهم في الجامعات إلى سوء استخدامها فيدفعون ثمنها غاليا.
إنشرها