Author

3 أمنيات نريدها من هيئة تقويم التعليم

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
أعتقد أن من أهم الأوامر الملكية التي صدرت بشأن التعليم، إعطاء هيئة تقويم التعليم استقلاليتها الإدارية والمالية. هذه الاستقلالية آمل أن تسهم في حيادية قرارات الهيئة مستقبلا بعيدا عن المجاملات التي كانت تطغى جزئيا على اجتماعات الهيئة مع مسؤولي التعليم العام والعالي. من الجانب التنظيمي أعتقد أن استقلالية الهيئة ستسهم في دعم جودة التعليم العام والمهني والفني والجامعي. ولا شك أننا متفائلون بأن تعيين مساعد العيبان رئيسا لمجلس إدارة الهيئة سيشكل إضافة نوعية، فهو من الشخصيات الوطنية التي جمعت بين الكفاءة الأكاديمية والخبرة الأكاديمية والعمل الحكومي وملم بدهاليز الدوائر الحكومية المختلفة. كما أن نايف الرومي محافظ هيئة التعليم يتمتع بخلفية علمية في التعليم العام وخلفية علمية في السياسات التربوية. لذا فإنني أعتقد أن الهيئة في أيد قادرة على الانطلاقة بها نحو فضاءات وطموحات عالية سواء في التعليم العام أو العالي أو التقني. لكن يبقى السؤال: ماذا نريد من الهيئة في المرحلة المقبلة؟ ولعلي أركز في هذا المقال على ثلاث أمنيات فقط أما تطلعاتنا فكثيرة وبحجم أحلامنا. أولا: نريد من الهيئة أن تقود تغيير ثقافة الجودة ومفهومها. فمن المؤسف أن مفهوم الجودة التعليمية مرتكز بشكل كبير على الاهتمام بالجودة بشقها التوثيقي فقط "جودة ورق". نريد من الهيئة أن تعيد مفهوم الجودة الذي بحاجة إلى تمحيص ومراجعة وغربلة حقيقية. في اعتقادي أن التحدي الأكبر الذي سيواجه الهيئة هو كيفية تحويل الجودة من جودة ورقية إلى ثقافة حقيقية للمنشآت التعليمية. فمن غير المعقول أن تكون جودة تعبئة نماذج الجودة المختلفة من أهم المحاور الرئيسة في تقييم جودة المناهج والمخرجات التعليمية. من المؤسف أن الحصول على شهادة الاعتماد الأكاديمي لدى بعض الجهات التعليمية لا يهدف إلى تطوير المعايير الأكاديمية والإدارية أو تغيير الثقافة والبيئة التعليمية، وإنما يراد منه الحصول على شهادة تسويقية ودعائية لتلك المنشأة والقائمين عليها. الواقع يقول إنه ليس كل من لديهم جودة في الأوراق وتعبئة النماذج هم الأفضل في جودة المخرجات التعليمية. ولعلي في هذا السياق أذكر أنه في جلسة غير رسمية وعلى هامش استشارة علمية لمراجعة معايير الجودة لإحدى الجامعات السعودية في سياق الحديث عن جودة النماذج على حساب جودة المخرجات الفعلية، ذكر لي أحد المستشارين البارزين لدى عديد من الجامعات في الوطن العربي أنه يمكن تسمية بعض مسؤولي أو وكلاء الجودة في الجامعات أنهم professional lairs ثم ذكر أن الجامعات تستعجل من أجل الحصول على الاعتمادات الأكاديمية حتى وإن كان هذا الاعتماد يخالف واقعها. المشكلة الأكبر أن الدفع بالحصول على الاعتماد كيفما اتفق يأتي بمباركة من الإدارات العليا لبعض الجامعات. كما أن بعض مسؤولي الجودة في الجامعات لا يميزون بين قياس معيار الأداء وبين مقياس أهداف البرامج التعليمية. ثانيا: نريد من الهيئة السعي نحو ربط معايير الجودة بالمخرجات التعليمية. الجودة ليس لها معنى إذا لم تربط بالحاجات التنموية للبلد. من المؤسف أن الاهتمام بجودة المخرجات التعليمية لم تكن له الأولوية خصوصا مدى ارتباط البرامج التعليمية باحتياجات وتطلعات القطاعات المختلفة. فمثلا من غير المعقول أن تستمر بعض الجامعات في فتح برامج للدراسات العليا لمجرد توافر الكادر التعليمي اللازم للقيام بهذه المهمة، فالواقع يخبرنا أن معظم البرامج نظرية وغير مطلوبة في سوق العمل بل لا تشكل إضافة تنموية على المستوى الوطني. كما أنه من غير المعقول أن نتحدث عن معايير للجودة لكن هذه المعايير تختلف بين الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة. معايير الجودة يجب أن تبقى موحدة، فازدواجية المعايير تدل على اختلاف معايير الجودة. هذا الاختلاف يتناقض مع "رؤية المملكة" التي تعتبر القطاع الخاص شريكا في تحقيق "رؤية المملكة 2030". قد يكون لدى البعض توجس حقيقي وواقعي من سوء مخرجات المؤسسات التعليمية الخاصة التي تغلب الجانب الربحي على حساب جودة المخرجات التعليمية. لكن هذه الحقيقية لا تفقدنا حقيقة أن بعض الجامعات الحكومية لديها دافع للتلاعب بمعايير الجودة من أجل تحقيق مكاسب أخرى قد لا تكون بالضرورة مالية. فمثلا مازالت وسائل الإعلام تنشر بين الحين والآخر غياب العمل المؤسساتي لدى بعض الجامعات فضلا عن الالتزام بأسس العمل الأكاديمي، كما أشارت زينب مثنى أبو طالب نائبة رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى إلى أن الجامعات الناشئة أساءت إلى مخرجات التعليم العالي، وأبدت عددا من الملحوظات حول جودة التعليم والبحث العلمي للجامعات. كما أن هناك عديدا من التصريحات التي تتحفنا بها وسائل الإعلام عن تجاوزات إدارية وأكاديمية وخلافه، ولعل آخرها تصريح وكيل جامعة الباحة التي تدل على أن الجودة بمفهومها الشمولي ووفق العمل المؤسساتي بحاجة إلى وقفات طويلة، بل إن متابعة مدى تقيد الجامعات الحكومية بمعايير الجودة يجب أن تكون أولوية لأن الدولة تدفع لكلا الطرفين المستفيدين من الخدمة "الطالب" وعضو هيئة التدريس، بخلاف الإنفاق على البرامج والأجهزة والمباني وخلافه. فمن غير المعقول أن يتم الإنفاق على برامج تستهلك جزءا كبيرا من الميزانية التعليمية مع أن مخرجاتها إما ضعيفة أو غير مطلوبة تنمويا. ثالثا: نريد من الهيئة بثوبها الجديد أن تفعِّل ربط الحصول على الميزانيات السنوية للجامعات وللجهات التعليمية الأخرى بالالتزام بمعايير الجودة ومدى توافقها مع الحاجات التنموية للبلد. هذا الربط لا بد أن تقوده الهيئة وذلك بالتنسيق مع وزارات: المالية، والتخطيط، والخدمة المدنية، والجهات الأخرى ذات العلاقة كهيئة التخصصات الصحية للبرامج الصحية. كما أن هذا الربط سيزيد من فعالية التنسيق شبه الغائبة حاليا بين الجهات ذات العلاقة سواء في الاعتماد أو التصنيف أو التوظيف. من دون هذا الربط ستبقى الجودة مجرد ترف وتسويق تتجمل به أروقة ومداخل الجامعات السعودية بدلا من أن تتجمل بها عقول أبنائنا الطلاب وبناتنا الطالبات.
إنشرها