تصنيف «تايمز» الدولي .. ورؤيته للجامعات
تحدثنا في المقال السابق عن مهمات الجامعة الثلاث: مهمة "التعليم" وتأهيل الناشئة؛ ومهمة "البحث العلمي" والإسهام في تقديم معارف جديدة غير مسبوقة؛ إضافة إلى مهمة "خدمة المجتمع" وتعزيز إمكاناته. وبينا الفوائد الرئيسة المرجوة من الجامعات، التي تشمل: تعزيز فرص تشغيل الثروة البشرية؛ والحث على العمل التطوعي؛ وتشجيع الإبداع والابتكار؛ ودعم الاقتصاد؛ وتطوير الثقافة العامة؛ وتحسين السلوك الصحي؛ والحد من ارتكاب المخالفات؛ وتعزيز توخي الحكمة ودعم التفاهم بين الناس على الصعيدين المحلي والدولي.
وطرحنا في المقال السابق معايير "التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم ARWU" المعروف اختصارا بـ "تصنيف شانغهاي"، ووجدنا أنها تتمحور أساسا حول مهمة "البحث العلمي"، وتفاعلها مع المهمات الأخرى؛ ورأينا أنها تفتقر إلى الشمولية اللازمة لرؤية الجامعات، خصوصا جامعاتنا التي تتطلع إلى إسهام مباشر أكبر في تقديم "تعليم متميز يناسب سوق العمل"؛ وفي العمل على "خدمة المجتمع" وتحسين "خصائصه المعرفية والارتقاء بإمكاناته".
يهتم هذا المقال بمعايير تصنيف آخر من تصنيفات الجامعات هو "التصنيف العالمي للجامعات الخاص بتايمز التعليم العالي THE-WUR"، وهو معروف اختصارا بـ "تصنيف تايمز". ويلقي المقال الضوء أيضا على مدى تغطية هذه المعايير لمشهد مهمات الجامعات وفوائدها الرئيسة. ويتم إجراء هذا التصنيف ونشره سنويا، منذ عام 2010م؛ وكان قبل ذلك، ومنذ عام 2004، يصدر بالتعاون مع تصنيف "كيو-إس QS" الذي سنطرحه في مقال قادم بمشيئة الله.
يشمل تصنيف "تايمز" 13 مؤشرا، ترتبط بخمس مجموعات، تهتم: بالتعليم؛ والبحث العلمي؛ ومدى تأثير البحث العلمي؛ والجانب الدولي المرتبط بالطلاب والأساتذة والنشر العلمي؛ إضافة إلى مسألة نقل المعرفة إلى المجتمع. ويعتمد جزء من هذه المؤشرات على بيانات إحصائية محددة؛ بينما يعتمد البعض الآخر على معلومات يجري الحصول عليها من خلال دراسات مسحية لآراء أصحاب العلاقة بالموضوعات المطروحة.
تشمل مجموعة التعليم خمسة مؤشرات، تمثل 30 في المائة من مجمل التقييم، وتركز على البيئة التعليمية. ينظر المؤشر الأول إلى السمعة الأكاديمية للجامعة، ويعتمد على دراسة مسحية حول الجامعات، تجري على المستوى الدولي، ويبلغ وزن أهميته نصف وزن المجموعة أي 15 في المائة من مجمل التقييم. ويهتم المؤشر الثاني بنسبة الأساتذة إلى الطلاب، التي تؤثر في مدى العلاقة بينهما، ويعتمد هذا المؤشر على بيانات إحصائية محددة، ويحمل وزنا قدره 4.5 في المائة.
ويركز المؤشران الثالث والرابع على الدراسات العليا، ويعتمدان على بيانات إحصائية محددة. فالمؤشر الثالث يهتم بنسبة طلاب الدكتوراه إلى طلاب البكالوريوس، بما يعكس الحجم النسبي للدراسات العليا البحثية على مستوى الدكتوراه في الجامعة، وله وزن قدره 2.25 في المائة من مجمل التقييم. وينظر المؤشر الرابع إلى نسبة الحاصلين على الدكتوراه إلى الأساتذة، ويتمتع بوزن قدره 6 في المائة؛ ويعبر هذا المؤشر، من وجهة نظر التعليم، عن وجود تعليم متقدم في الجامعة. ويأتي بعد ذلك المؤشر الخامس والأخير لمجموعة التعليم ليعطي حجم الدخل الذي تجنيه الجامعة من عملها، نسبة إلى الأساتذة، الذي يعبر عن الإمكانات التي يجري توفيرها للأساتذة والطلاب وتعطي عائدا للجامعة. ولهذا المؤشر وزن قدره 2.25 في المائة.
وننتقل إلى المجموعة الثانية للتقييم الخاصة بالبحث العلمي، التي تشمل ثلاثة مؤشرات، وتتمتع بوزن عام قدره 30 في المائة من مجمل التقييم. يهتم المؤشر الأول في هذه المجموعة بسمعة الجامعة في مجال التميز البحثي. ويستند إلى دراسة مسحية حول الجامعات، تجري على المستوى الدولي، ويزيد وزن أهميته عن نصف وزن المجموعة، أي 18 في المائة. وينظر المؤشر الثاني إلى الدخل الذي تجنيه الجامعة من العمل البحثي نسبة إلى عدد الأساتذة، وله وزن يصل إلى 6 في المائة، ويعتمد على بيانات إحصائية محددة. أما المؤشر الثالث، فيركز على حجم المخرجات البحثية، أي عدد البحوث المنشورة والمعتمدة في قاعدة بيانات سكوبس Scopus التابعة لمؤسسة إلسفير Elsevier، نسبة إلى عدد الأستاذة أيضا؛ وهذه بيانات إحصائية محددة أيضا، ولها وزن قدره 6 في المائة.
ونأتي إلى المجموعة الثالثة للتقييم الخاصة بمدى تأثير البحث العلمي، وترتبط بمؤشر واحد هو متوسط عدد المرات التي تمت فيها الإشارة إلى كل ورقة علمية من الأوراق المنشورة من قبل منسوبي الجامعة في موضوع معين منسوبا إلى قيمة مرجعية للمتوسط المتوقع. ويؤخذ هذا الأمر من أجل كل مجال علمي على مدى السنوات الخمس السابقة، كما تؤخذ طبيعة الأوراق المنشورة في الاعتبار، أي كونها بحوثا علمية أو مراجعات علمية، لأن الإشارة إلى المراجعات العلمية تفوق عادة الإشارة إلى البحوث. ويستند هذا المؤشر إلى بيانات إحصائية توفرها قاعدة بيانات سكوبس Scopus المستخدمة أيضا في المؤشر السابق. ويحظى هذا المؤشر بوزن قدره 30 في المائة.
بعد هذه المجموعة، هناك المجموعة الخاصة بالجانب الدولي، ولها وزن في التقييم الإجمالي قدره 7.5 في المائة، موزع بالتساوي على ثلاثة مؤشرات. ينظر المؤشر الأول بينها إلى نسبة الطلاب الأجانب إلى الطلاب المحليين في الجامعة؛ ويهتم الثاني بنسبة الأساتذة الأجانب إلى الأساتذة المحليين في الجامعة؛ ثم يركز المؤشر الثالث على نسبة الأوراق العلمية المنشورة من قبل منسوبي الجامعة، التي تشمل مشاركا خارجيا واحدا على الأقل. وهذه المؤشرات جميعها تستند إلى بيانات إحصائية محددة.
ونصل إلى المجموعة الخامسة والأخيرة لتقييم "تايمز" للجامعات، وهي المجموعة التي تهتم بنقل المعرفة إلى المجتمع، ويعبر عنها بمؤشر واحد هو الدخل الذي تحصل عليه الجامعة من الصناعة، نتيجة الابتكارات والاختراعات والاستشارات التي تقدمها. ويعتمد هذا المؤشر على بيانات إحصائية محددة، وتبلغ حصته من إجمالي التقييم العام نسبة متواضعة هي 2.5 في المائة.
ينظر تصنيف "تايمز" إلى الجامعات بزاوية تبدو أوسع من زاوية تصنيف "شانغهاي"؛ لكن يبقى محور "البحث العلمي" هو المحور الأهم في التقييم. فالمجموعتان الثانية والثالثة، ووزنهما 60 في المائة من إجمالي التقييم تختصان بالبحث العلمي. وللمجموعة الأولى الخاصة بالتعليم ارتباط بالبحث العلمي من خلال مؤشري طلاب الدكتوراه؛ وللمجموعة الرابعة ارتباط أيضا بالبحث العلمي عبر مؤشرها الثالث. ويبدو أن هناك قصورا في معايير هذا التقييم من حيث: قياس التوافق المنشود بين مخرجات الجامعة ومتطلبات سوق العمل؛ وكذلك استجابتها للخدمات المعرفية التي يحتاج إليها المجتمع. ولعلنا نؤكد أخيرا ضرورة أن تكون معايير تقييم الجامعات التي نستخدمها أكثر شمولية، أي تغطي مختلف القضايا التي نريد من الجامعات أن تسهم في تطويرها.