هكذا علمتني الأيام «13»

التميز العقلي لا جنسية له
في رأيي أن عباس محمود العقاد ليس فقط من أميز العقول العربية بل لم أقرأ لعقلية مثله على الإطلاق في الآداب الأجنبية في القرن الـ 20، وشهادتي هذه تدعمها أني مقل في القراءة العربية ومكثر جدا في القراءة في الكتب الغربية، ورغم أني أقف لعقول استثنائية في الفكر الغربي في القرن الـ 20 مثل تولستوي الروسي، ولوركا الإسباني، ونيرودا السياسي اللاديني التشيلي، وكافكا النمساوي، وديرنمات السويسري، وعظيموف الأمريكي، وكوكبة حافلة ومهيبة، وأقول ثابتا دون رمشة عين إن عقل العقاد دماغ قد يزن أكثر من أدمغة أي من هؤلاء. فذكاؤه خارق، وشجاعته المبدأية خارقة، قال عنه ترفيير الفرنسي: "أنا كماركسي عتيق لا أستطيع مجابهة العقاد العربي في دحضه للماركسية". وبعبقرياته التي نعرفها كلنا كشف بشكل شاهق عن قدرة تحليلية نفسية ونفسانية بما سماه مفتاح الشخصية. ومعرفته المذهلة باللغات الشرقية تجعله في مقدمة الألسنيين، يوازي تعمقه ورسوخه باللغة الإنجليزية.. طولت، صح؟ ما العمل عند وصف العقاد الصعب يكون الوقوف عن وصفه أكثر صعوبة. واليوم أدرج له قولين وتعليقي:
في حياتنا البشر كالحروف
ويتابع العقاد: "البعض يستحق الرفع، والبعض يحترف النصب، وهناك من يستاهل الضم، والبقية يستحقون الكسر".
يا إلهي على هذا الوصف البالغ المشهدية والتطابق. هناك شخصيات نحترمها لصدقها، وتواضعها، ونفعها للناس فنرفعها تيجانا فوق رؤوسنا، سواء أكان مسؤولا رسميا، أم عالما، أم مفكرا، أم عاملا متطوعا، أم تاجرا، أم مواطنا عاديا. وهناك الفاسدون النصابون وهم بلاء الأمم، وحشو كل ورم يمرض ويعطل جسد الأمة وهؤلاء قويون بفسادهم جبناء أمام أي مبدأ فاضل دينيا كان أم دنيويا. هم الطحالب التي تمتص أكسجين الأنهار، والطفيليات التي تعثو بخير الأرض، وهم من حقراء الناس طباعا وإن كان يُحرق لهم البخور ظاهرا. وناس نحبهم حبا خاصا لنا وحدنا هم أقرب ما يكونون لجدار القلب، ضمهم ينقلنا لمدارج سكينة ولذة ودعة وأمان.. لما نضم أمهاتنا أو نضم آباءنا وأخواتنا وإخواننا وأحبابنا وأصدقاءنا. وهناك ناس معطوبون معطلون متذمرون متشائمون سبابون بلا عطاء إلا الأذية تود كسرهم كالزجاج الرديء.
وأختم مستغنيا عن التعليق في هذا القول للعقاد:
"القراءة ليست من الكماليات بل هي فريضة إسلامية، ألم تسمع قوله تعالى: (اقرأ)، هذا أمر؟!".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي