Author

رسوم الأراضي مؤقتة وتأثيرها ليس قويا

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
في الساحة ومنذ زمن رأيان متطرفان في تأثير الرسوم. رأي يضخم التأثير ورأي ينفيه. علماء اقتصاد الضرائب والرسوم في مختلف دول العالم يقولون من منطق عقلي وإثبات علمي إن رسوم الأراضي تخفض من قيمة الأراضي التي عليها رسوم سنوية أو ضرائب، وأحد الأسباب أن تلك الرسوم تمثل ديونا مستقبلية لم يحل موعد سدادها بعد. لتسهيل الفهم، أضرب مثلا بقطعتي أرض متجاورتين سعر كل واحدة نقدا نصف مليون ريال, لنفترض أن على إحداهما أقساطا مصرفية شهرية متساوية لمدة 20 شهرا، مجموعها 100 ألف ريال، أي أن القسط الشهري خمسة آلآف ريال، وأن القطعة الأخرى ليست عليها شيء. نفترض وجود مشتر لكلتا القطعتين بالسعر النقدي السابق لكل أرض، وأن المصرف موافق على نقل الأقساط إلى المشتري ليسددها في مواعيدها. سيدفع المشتري إلى البائع مبلغا بالتأكيد أقل من نصف مليون ريال للأرض التي عليها أقساط، مع نقل أقساط المصرف المستقبلية إلى ذمة المشتري. سؤال جوهري: أقل بكم؟ بما يساوي القيمة النقدية الحالية التي يتفق عليها الطرفان لأقساط المصرف. من المهم جدا التأكيد على أمرين أساسيين الأول أن قدر تأثير الرسوم محكوم باعتبارات كثيرة، والثاني أنه من الخطأ الحكم على تأثيرها كما لو أنها المؤثر الوحيد، بل هي تعمل ضمن مجموعة عوامل سوقية غالبا متضاربة التأثير، والغلبة للأقوى. وهذه النقطة موضع خلط وسوء فهم كثيرين. رسوم الأراضي حسب نظامها ولائحتها لن تتسبب في خفض قوي لأسعار الأراضي، بل تأثيرها محدود لعدة أسباب. ويهمنا منها في هذا المقال كونها ذات طبيعة مؤقتة مقرونة باعتدال نسبتها الـ2.5 في المائة فكيف إذا أعطى تقييم وزارة الإسكان قيمة تقل عن السعر السوقي. نقطة أخرى ذات علاقة ولكن لن أناقشها لضيق المكان. كثير من الملاك سينوي أنها زكاة. الرسوم وحسب نظامها ذات طبيعة غير مستمرة وغير شاملة. نصت المادة الثانية من نظام الرسوم إلى أن النظام يهدف إلى الآتي: 1. زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. 2. توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. 3. حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. ونصت المادة الرابعة من النظام على أن تحدد اللائحة المعايير التي يتوقف عند تحققها تطبيق الرسم. هذه المعايير تدور حول ما نصت عليه المادة الثانية من النظام. أي حين ترى وزارة الإسكان المناط بها اللائحة أنه قد تحقق التوازن بين العرض والطلب وأن الأراضي السكنية متوافرة بأسعار مناسبة، فهذا يعني تلقائيا انتفاء الممارسات الاحتكارية. ومن ثم يعني تلقائيا التوجه نحو إيقاف تطبيق الرسوم. والإيقاف ليس بشرط أنه قطعي، بل قد يكون في أوقات دون أوقات وفي أماكن دون أماكن. المعروض في ازدياد، بل قالت هذه الجريدة وفي أكثر من عدد إن هناك كما هائلا من قطع الأراضي المعروضة للبيع. وجزء من الأراضي المعروضة غير مناسب أو غير مرغوب ببنائه للسكن حاليا، وكثير منه يتطلب وقتا معتبرا ليصبح مناسبا. ومع ذلك ستبقى أراضي محبوسة عن البيع لأسباب كثيرة. ومن ثم لا يصلح التعميم أن سوق الأراضي محتكرة. بقي موضوع توازن العرض والطلب، وهو باختصار ألا توجد فجوة كبيرة بين العرض والطلب، ومن ثم يتبعه تلقائيا موضوع السعر. هل السوق متجهة إلى توازن؟ كيف؟ كم من الوقت؟ التوازن يبنى على تفاصيل منها مدى حاجة أصحاب الأراضي للبيع السريع ولو بسعر منخفض كثيرا، ومنها توزيع ومساحات قطع الأراضي، وهي نقطة مرتبطة بمواصفات واشتراطات التخطيط والتطوير. الذي فهمته من استراتيجة الإسكان ومن تصريحات منسوبة لمسؤولين في وزارة الإسكان، وجود سياسة للسماح بقطع أراض أصغر مما تعودنا. ليس فقط لأنها ستكون أرخص، بل أيضا تساعد على تقليل تكاليف ووقت التطوير وتوفير المرافق والخدمات. ما تعريف أرض سكنية بأسعار مناسبة؟ الجواب مطاط، لأنه يبنى على اعتبارات نسبية كثيرة. على سبيل المثال، تتوافر أو ستتوافر أراض سكنية مخدومة بأسعار مناسبة لدخل بعض الناس في أحياء دون أحياء أو بمساحات دون مساحات. بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك. حين يتوافر النقل العام قد يتيح للشخص السكن بعيدا كما هو حاصل في كثير من مدن العالم. ماذا يعني أن الرسوم مؤقتة ومعتدلة؟ سيقارن مالك الأرض بين مصلحته في بيعها بخفض كبير في السعر أو الاستمرار في دفع الرسوم عدة سنوات مقابل توقع تحقيق قيمة صافية أعلى مستقبلا. وهذا في حكم المؤكد إذا كانت الأرض بعيدة نسبيا، لم تصلها الخدمات بعد، فهذا يعني أن سعر المتر فيها في تصاعد مع الوقت حتى مع وجود الرسوم، لأن معدل تصاعد السعر أعلى من معدل الرسم. مثال. لنفترض أن أرضا مساحتها نصف مليون متر مربع، وتنطبق عليها شروط فرض الرسوم وكانت تساوى 100 مليون ريال قبل بدء خطوات إصدار نظام الرسوم. ولنفترض أن الخيارات أمام صاحبها اثنان البيع أو دفع الرسوم. ولنفترض أنه جاء وقت تطبيق الرسوم، وقد بلغت في المتوسط 1.4 مليون ريال سنويا. لنفترض أنه عرض عليه الآن مبلغ 70 مليون ريال للشراء. ولنفترض أن التوقعات تشير إلى تحقق الغرض من الرسوم وتوقف فرضها على أرضه بعد عشر سنوات. أي أن عليه دفع 14 مليون ريال خلال هذه المدة إذا امتنع عن البيع. لنفترض أن القيمة الحالية للرسوم المستحقة خلال السنوات العشر في نظر صاحب الأرض هي سبعة ملايين ريال. لنفترض أن صاحب الأرض يتوقع وصول الخدمات والمرافق الأساسية إلى الأرض خلال ثماني سنوات، وبعدها يخطط لبيعها قطعا. ويتوقع أن يكون سعر المتر قد ارتفع عدة مرات بما يحقق مبيعات لا تقل في نظره عن 400 مليون ريال بعد قرابة عشر سنوات، ولو لم توجد رسوم فستكون القيمة أعلى قليلا. ما النتيجة؟ سيقارن المالك بين مصلحته في بيع الأرض الآن أو مصلحته في تأجيل البيع ودفع الرسوم ومصروفات أخرى تشكل نسبة صغيرة من إيرادات البيع المتوقعة، تربصا بارتفاع سعر المتر مع الوقت بشدة بسبب تزايد السكان ووصول أهم الخدمات وتوقع نمو ملموس في الاقتصاد. قال أكثر من حكيم "أحيانا لا يرغب الناس في سماع الحقيقة أو ما لا يعجبهم، لإنهم لا يريدون أن تتحطم أوهامهم".
إنشرها