لو عملت أقل لزاد ربحك وكثر إنتاجك

الشائع أننا نزيد من إنتاجنا وأرباحنا كلما زادت ساعات عملنا. والشائع أيضا أن إنتاجنا سيهوي وأرباحنا ستضمحل لو قللنا ساعات عملنا.
بيد أن هذه الفرضية التي يراها الكثير منا بمثابة بدهية أخذت تنهار في الدول الإسكندنافية وعلى رأسها السويد.
ربط زيادة ساعات العمل بغزارة الإنتاج والأرباح حذر منه الكثير من الباحثين.
ولكننا لم نكن نعرف إلى أي مدى بإمكاننا تقليص ساعات عملنا ومن ثم ليس المحافظة على إنتاجيتنا وأرباحنا فقط بل تحقيق زيادات في نسبهما قد تصل إلى 25 في المائة. بعد تجارب وأبحاث استغرقت سنين طويلة، توصل الباحثون وأرباب العمل في السويد إلى أن ساعات العمل يجب ألا تتجاوز ست ساعات في النهار ولمدة خمسة أيام في الأسبوع فقط.
نظام الساعات الجديد صار بمثابة تشريع في السويد وأخذت المؤسسات والشركات تطبقه وعلى نطاق واسع.
ويقول المسؤولون إن السويد ـــ ذات التسعة ملايين نسمة ـــ قد تشهد زيادة في إنتاجها القومي الإجمالي الذي بلغت قيمته 474 مليار دولار في العام الماضي تصل إلى 25 في المائة حال تطبيقه على المستوى الوطني.
وتمتلئ صفحات وشاشات وسائل الإعلام وقنواته بالتقارير حول تقليص ساعات العمل من 40 إلى 30 ساعة في الأسبوع وكيف يجوز لإجراء مثل هذا أن يؤدي في نهاية المطاف إلى زياد تساوى 118 مليار دولار (25 في المائة) في الناتج القومي الإجمالي.
ومن ثم كيف باستطاعة الشركات وأصحاب العمل والمؤسسات والدوائر الحكومية وغيرها التكيف مع قوى عاملة وموظفين يعملون فقط ست ساعات في النهار وخمسة أيام في الأسبوع؟
بالطبع لم يجر العمل بسياسة التشغيل هذه على المستوى الوطني اعتباطا. مضت سنون على تطبيقها في شركات ومؤسسات محددة ضمن مشروع وطني رائد ظهر فيه أن منافعها أكثر بكثير من سلبياتها.
في هذه المشاريع الرائدة، أرباب العمل هم أكثر حماسا من العاملين لتطبيق النظام الجديد الذي أدى إلى زيادة أرباحهم ووفرة إنتاجهم.
العمال مرتاحون أيضا لأنهم يمضون وقتا أطول مع عائلاتهم وتمنحهم فرصة ساعات عمل قليلة التركيز على العملية الإنتاجية من حيث الدقة والنوعية والكمية وكذلك تمنحهم فرصة للإبداع والابتكار.
لو لم تكن السويد رائدة وصفة العمل الجديدة هذه، لشكك الكثيرون في نجاعتها.
تطبيق نظام ساعات العمل الجديد هذا يرافقه إخلاص وإبداع من العاملين حيث تم تقليص الوقت المهدور مثلا في استخدام الأجهزة الرقمية مثل الهواتف الذكية أو صرف الوقت في شرب القهوة أو الشاي أو الطعام.
والتقارير تشير إلى تدني نسب النزاعات والشجار بين العمال أنفسهم وبينهم وبين أصحاب العمل.
وهرع الأكاديميون لإجراء أبحاثهم على أماكن العمل التي تطبق النظام الجديد وبدأت نتائج هذه الدراسات تظهر في الدوريات الأكاديمية وعلى صفحات الصحف المحلية والوطنية والعالمية. أقتطف نتف منها لقرائي الكرام:
ــــ انخفاض نسبة الإصابة بالسرطان وأمراض القلب في صفوف العمال الذين يعملون ست ساعات في اليوم مقارنة بأقرانهم الذين يعملون 7 - 8 ساعات في اليوم إلى نحو 33 في المائة.
ــــ استخدام أمثل للمكائن وتقليص تكاليف رأس المال.
ــــ انخفاض نسبة البطالة لأن الأرباح المتحققة شجعت أرباب العمل على تشغيل أعداد جديدة من العمال.
ـــ العمال أكثر سعادة وفرحا من السابق وانخفاض ملحوظ في حالات الاكتئاب.
ـــ المسنون فرحون لأن القائمين على خدمتهم يهتمون بهم أكثر وزاد عددهم عن السابق.
ـــ زيادة كبيرة في عدد الناس الذين يمارسون الرياضة ما حدا بالسلطات إلى توسيع المجالات والمسالك المخصصة للجري والمشي.
ـــ زيادة كبيرة في عدد الذي يستخدمون الدراجات الهوائية للتنقل من العمل إلى البيت وبالعكس.
ـــ تقليص نسبة العقول المهاجرة حيث يفضل المهرة من العمال والمهندسين البقاء في شركاتهم للمزايا الكثيرة التي يمنحها لهم نظام العمل الجديد.
مرة أخرى سيحاول العالم اللحاق بالسويد ومسيرتها في التطور والحضارة والتمدن.
ولكن يبدو أن السويد لا مكان لها للانكفاء والتوقف حيث أعلنت الحكومة تخصيص ميزانية سنوية ضخمة للاستثمار في الطاقة البديلة.
الهدف القادم هو جعل السويد أول دولة في العالم تستغني كليا عن الطاقة الأحفورية (المستخرجة من باطن الأرض ـــ النفط مثلا) بحلول عام 2050.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي