نقاشات حول مقال الحدود بين الولاية الشرعية والعرفية للمرأة
بعد نشر المقال السابق عن الحدود بين الولاية الشرعية والعرفية للمرأة؛ وصلني بعض النقاشات التي تستدل بنصوص شرعية، ورأيت من المناسب نقاشها باختصار لضيق المساحة.
بداية أعتقد أن الواجب على الباحثين دراسة المسألة بتجرّد، مستبعدين كل التأثيرات الاجتماعية وغيرها مما قد يحرف مسار البحث بلا شعور! وهذا مقتضى الإخلاص والأمانة.
لا شك أن طاعة الزوجة لزوجها بشكل عام مشروعة (في حال كان الولي هو الزوج)، وهي من أسباب دخول الجنة كما في الحديث، ولكن الحديث هنا عن الولاية الواجبة شرعا، فهل يجب على كل المرأة أن يكون لديها وليّ يُشرف على كل حاجاتها (باستثناء ولاية الزواج)؟
وبعد تأمل النصوص الشرعية، والله أعلم، يتبين أن ما جاء به الشرع هو فقط ولاية التزويج، على الرغم من خلاف الأحناف أيضا فيها، ولهم أدلة على عدم وجوب الولي في النكاح، ولا يصح أن نجعل هذا الأمر وكأنه من أصول الشريعة المتفق عليها، ولكن لنتجاوزه هنا.
الكثير يستند في الولاية إلى وجوب طاعة الزوج، ويطلق المسألة هكذا وكأن الواجب شرعا على المرأة الطاعة العمياء للزوج، بينما عند تأمل الأدلة فإنها كلها تدور حول حق الزوج في الفراش فقط، ولم أجد نصا واحدا صحيحا يوجب على المرأة الطاعة هكذا بإطلاق. نعم يوجد حض وترغيب في طاعته لاستتباب الحياة الزوجية، ولكن ليس بالتطويع الأعمى له على المرأة، حتى إن الفقهاء اختلفوا في حكم خدمة المرأة للزوج في البيت، بينما يرجعه بعض الحنابلة مثلا إلى العرف، فإذا كان العرف عدم الخدمة فإنه غير واجب! فما هذا الأصل الشرعي الذي يتشدد فيه البعض وجعلوه أصلا من أصول الشريعة بينما نجد أصله العرف!
ولنأخذ بعض الأدلة التي يكررها البعض في هذا السياق؛ حيث بيّن عليه الصلاة والسلام حق الرجل على المرأة في حديث؛ "فأما حقكم على نسائكم فلا يُوطِئنَ فُرَشَكم من تَكرهون، ولا يَأذنّ في بيوتكم لِمَن تكرهون"، وهذا مرتبط بالفراش وحفظ الفرج فقط. وفي حديث نهي الزوجة عن الصيام إلا بإذن الزوج فهو أيضا مرتبط بالفراش حيث جاء في بعض الألفاظ "وزوجها شاهد"، بمعنى أنه لا يشترط إذنه إلا إذا كان موجودا وقادرا على الفراش لكونه قد يمنعه من الفراش، وإلا فلا يشترط إذنه.
أقدر الكثير من الأهداف النبيلة التي يتبناها البعض، ولكن الشريعة ستضيق بالناس عندما نسمح لأنفسنا أن نضيق عليهم بعسف النصوص في الاتجاه الذي نريد، والخلاصة أن التشدد في الولاية العامة يلزمه أن الشريعة توجب على من ليس لديها وليّ أن تبحث عن وليّ لها! وهذا زيادة في الدين لم يأتِ بها الشرع بيقين لدي والله أعلم.
محام ومستشار قانوني