Author

قيادي بعيد جدا عن الواقع

|
بعد حصوله على أقوى دورات الإدارة التنفيذية العالمية من معهدي هارفارد وMIT وكليات لندن، أتى ليهمس بنصيحته الصاعقة التي يقول فيها: "صدقني، أنت لست مضطرا لإشعار الآخرين بالأهمية، أنت تمنحهم بذلك امتيازا لا يستحقونه، سينال منهم الوهم ويتعبونك أكثر (لا تعطهم وجها!)، استخدم الأوامر المباشرة والمفاجئة، إن أفضل ما يمنحك النتائج هو أسلوب (الأمر الواقع)". كان ينصح بذلك، وهو يتحاشى الحديث مع فريق عمله، هو لا يستخدم مصطلح الشفافية إلا في المذكرات التي يرفعها لمجلس الإدارة. بصراحة، كان يتقن فنون التهرب من المواجهة ولا يُعرف باستراتيجية واضحة ولا مبادئ ثابتة. تكثر تفسيرات الآخرين لأفعاله وقراراته، وبالطبع، تسوء التوقعات عند العمل معه وتخبو الأحلام ويتحول فريقه إلى كيان مهترئ أكبر إنجازاته ألا تحصل المصائب في العمل الروتيني، وبالطبع، لن يكون هناك أي إبداع أو حماس يذكر. على الرغم من تعرض معظم المديرين والمسؤولين لأساسيات القيادة وأساليب إدارة الأعمال الحديثة، إلا أن كثيرا منهم لا يزال يفشل في أهم جانبين، التعامل مع الناس وإدارة التقنية. في اعتقادي أن كل المهارات الأخرى يمكن الاستعانة بآخر يقوم بها، مثل المهارات المالية والهندسية المتخصصة، وهذا لا ينفي بالطبع أهميتها وتميز من يتمكن منها. ولكن فشل القياديين في إدارة المرؤوسين والتعامل معهم، إضافة إلى ضعف استفادتهم من الحلول التقنية المتطورة يجعلهم دائما أقرب لتواضع النتائج وتدهور الأوضاع. إذا مارس هذا المسؤول العمل الإداري لسنوات طويلة وتعامل مع قضايا مختلفة وتجارب متنوعة وحضر عشرات الدورات المهمة في مجال عمله وتحدياته، لماذا يفشل في كسب ثقة من حوله؟ ولماذا يقال عنه دائما: " يشبه المسؤول السابق، كلهم يشبهون بعض!"؟ في اعتقادي أن كثيرين ممن يجدون أنفسهم في مواقع قيادية يفشلون في كسب ثقة من حولهم لعدد من الأسباب ينحصر معظمها في قدرتهم على الاستفادة بشكل جوهري من الفرص التي تتاح لهم، سواء فرص التعلم أو التجربة. يقع معظمهم في إشكالية الاندماج مع تفاصيل غير مهمة وربما تذهب بهم الشكليات بعيدا عن الخلاصات المؤثرة. سأربط قضية هذا المسؤول ـــ الذي لا يرتقى لمرتبة القائد الحقيقي ــــ بست مشكلات رئيسة. لا يحسن التفاؤل، ولا التعلم، ولا التواصل، ولا التركيز، ويعجز عن الثقة بمجتمعه، ويعتقد أنه اقترب من نهاية مسيرة النجاح. عندما يفقد أحدهم القدرة على التفاؤل لن يتمكن من رؤية الطاقات الكامنة في فريق عمله، وستتأثر مهاراته في رسم الاستراتيجيات. وإذا اجتمع ذلك مع الغرور الخداع الذي يوحي له بأنه وصل إلى المعالي، لن يشعر فعليا بأي التزام بإحداث التغييرات الجذرية تجاه مجتمعه أو لمن وضعوه في موضع المسؤولية. ستسمح له خبراته المتواضعة ـــ وإن كانت غنية بالمسميات ـــ بتبرير فشله وتواضع نتائجه، في نظره الواقع صعب والموظفون غير مؤهلين، هم متقاعسون لا يعرفون مصالحهم. ولأن هذا المسؤول لا يهتم بمشكلة النسيان الطبيعية الموجودة عند كل البشر، فهو لا يحتفظ بملاحظاته في مكان ما، ولا يهتم أساسا بالتدوين سواء أثناء الدورات أو بعد حدوث المشكلات. في الحقيقة لا يفكر مثل هذا في تنظيم أسلوب تعلمه، لذا تؤثر الفوضى في خبراته بطريقة سلبية ولا يشكل ما يحتفظ به من خلاصات التجارب إلا جزءا يسيرا مما مر به في حياته. كانت فرصته أكبر مما ناله بكثير. وهكذا، يصنع الحواجز بينه وبين حلول الأعمال المختلفة، لا يجيد الاستفادة من التقنية ولا يملك شجاعة التغيير إلا بمعاونة المستشارين الذين يستغلون ظروفه ويتركونه سريعا بعد سداد الفاتورة الأخيرة. مثل هذا يشك في فوائد الخدمات السحابية ولا يثق بأي برمجيات ترتبط بالإنترنت و دائما ما يقلل من تقدير فوائد الحلول التقنية التي يمكنه الاستفادة منها. يتعامل مع التدريب وكأنه مكافأة للمتدرب لذا يربطه برضاه عنه وليس حاجة العمل إليه. لا تنحصر تحديات القيادة لدينا على التحديات التقليدية التي تذكرها أدبيات الإدارة، قد يتعرض أي قائد لمتلازمة البرج العاجي على سبيل المثال، عندما ينشغل بمتابعة القضايا الكبرى على حساب التواصل مع بقية عناصر منشآته. ولكن محليا، أعتقد أن عملية بناء القادة هشة إلى حد ما ويعجز معظم المسؤولين ــــ باستثناء القلة منهم ــــ عن تعويض النقص الذي يتعرضون له بالمهارات البديلة والتركيز المطلوب. من الضروري أن يكون فهمهم للواقع المتغير أكثر عمقا، ديناميكيات سوق العمل وحلول الأعمال تتطور بشكل سريع ما يتطلب تأقلما سريعا في التعلم والمعالجة. الموظفون اليوم أكثر تأهيلا من أي يوم مضى وبحاجة أكبر إلى القائد الذكي الذي يحترم قدراتهم ويجيد التعامل معهم. كذلك، يتفاوت إخلاص القادة لمنظماتهم وتنحصر اهتماماتهم في الإنجازات المؤقتة على الرغم من أن القائد الحقيقي لا يبتعد أثناء عمله ولا تبتعد نتائج أعماله حتى بعد ذهابه.
إنشرها