كيف نفكك العنف والإرهاب؟
حل العيد ودماء العرب والمسلمين تنزف كالأنهار. والطامة الكبرى في هذا النزيف الذي يبدو أنه لن ينضب خاصة والضحايا مسلمون أيضا.
أي متشبع بالحضارة العربية والإسلامية لا يمكن أن يصدق أن الإسلام كفكر نير ومتسامح يقبل الظلم وقتل الأنفس البريئة بهذا الشكل المروع.
إن الذين يقترفون هذه الأفعال الشنيعة هم من المسلمين ولكن جرت تربيتهم وتعليمهم وتنشئتهم من قبل "نخبة" من المتطرفين الذين خطفوا الدين من خلال مد ومط ومن ثم خياطة النصوص المقدسة لأغراضهم المؤسساتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ما يحدث في الإسلام – الدين الذي غير وجه البشرية ونقل الناس من الظلمات إلى النور – لا يختلف كثيرا عما حدث ويحدث في أديان أخرى.
الفرق هو أن مختطفي الإسلام والنص المقدس لغاياتهم الشخصية لهم ومع الأسف الشديد، الكلمة العليا في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإعلامية ومنها المؤثرة جدا.
إن وضعنا أي نص، لا سيما النصوص التي يراها أصحابها مقدسة، تحت مشرحة التحليل النقدي لرأينا أنها حمالة أوجه.
ولهذا نرى أن الدين الواحد أو المذهب الواحد – أي دين أو مذهب – فيه أناس تقاة يخافون الله ويسعون إلى إشاعة الخير والتآخي والسلام استنادا إلى الكتاب ذاته الذي منه ينهل المجرمون والإرهابيون والظالمون والفاسدون في الأرض نصوصا محددة في نظرهم تجيز لهم أعمالهم الشريرة.
ما الفرق بين الاثنين؟
الفرق هو التربية والتنشئة والثقافة والبيئة – أي الواقع الاجتماعي. الواقع الاجتماعي يبدو أنه ينحو صوب العنف وإقصاء الآخر المختلف. والمختلف ليس هنا صاحب الدين المختلف فحسب – رغم أن العنف والإرهاب غير جائزين في أي حال من الأحوال – بل قد يكون أيضا من المذهب والملة ذاتها.
ومن هذا المنطلق صار أصحاب التفاسير هم القيمون على النص المقدس بدلا من أن يكون النص المقدس هو الحكم.
وعندما يحتكر أصحاب التفاسير التواصل مع الناس ويقحمون أنفسهم أو يسمح لهم بإقحام أنفسهم في أغلب مفاصل الحياة من خلال وسائل الإعلام والتربية والتعليم والتنشئة، يتغلب التفسير المصلحي أو الشخصي ويتقدم على النص نفسه.
هناك خطر كبير على العرب والمسلمين أساسه المفسرون من بعض الدعاة والمتشددين الذين يحورون انتقاءهم للنصوص وتفسيرها من أجل السيطرة والهيمنة على عامة الناس، في إساءة واضحة لما منحهم إياه الناس والسلطات من مكانة وجاه وأدوات للتواصل.
والخطورة تنبع من الناس أيضا لأننا نحن عامة الناس نرفض ما يدعونا الله للقيام به وهو تشغيل عقلنا والاعتماد على أنفسنا. والذكر الحكيم يدعو المؤمنين إليه، لا بل يحثهم على التفكر وإشغال العقل والتعقل. حالة كهذه تضع بعض الدعاة في برج عاجي يتصورون فيه أنهم يملكون العلم والمعرفة وأن عامة الناس ما عليها إلا الاتكاء على ما ينتقونه من نصوص وإن كانت خارج سياقها والعمل حسب تفاسيرهم الخاصة لها.
والتاريخ – لا سيما تاريخ الأديان – يبرهن لنا أن "النخبة" التي ترتهن النص المقدس في الغالب تستحوذ على العلم والمعرفة وحق تفسير النصوص المقدسة حتى قراءتها لتثبيت أركان سطوتها وغاياتها المؤسساتية ومآربها الخاصة وتحرم الناس حقهم في انتقاء النصوص وشرحها.
وهكذا ترى أن كل مفسر أو مجموعة من المفسرين يكدس لنفسه وأصحابه معجما من الألفاظ الحميدة والقبيحة وكلها استنادا إلى ما يوائم وجهة نظره من نصوص. وفي هذا، يحتفظون بالتفاسير الحميدة وأنماطها الخطابية لأنفسهم وأصحاب نعمتهم ومن يدور في فلكهم ويرمون بالتفاسير السلبية وأنماطها الخطابية في وجه المختلف عنهم.
والعرب والمسلمون اليوم ضحية هذا الموج الخطابي الثنائي الذي يقتحم كل مناحي الحياة من الشارع إلى البيت إلى المدرسة إلى الجامعة وإلى الإعلام وقنوات التواصل – وهي أخطر الأسلحة في العصر الحديث.
شيء مخيف وسيكون له عواقب كارثية أسوأ مما نشاهده أمام أعيننا هذا التركيز الذي لا يمل ولا يكل وعلى أكثر من مستوى في التمييز بين المسلمين على أسس مذهبية.
هذا التميز الخطابي الذي يجعل من مذهب في صف الخير والآخر في صف الشر هو أساس ما نشاهده من إرهاب وعنف مخيف يأكل الأخضر واليابس في بعض الأمصار العربية والإسلامية.
وهذا الاصطفاف الثنائي ليس ذا نزعة طائفية وحسب. في كثير من تفاصيله له بعد ثنائي أو ثلاثي يرى الخير في نفسه والشر في الآخرين إن كانوا أصحاب نصوص وتفاسير مختلفة أو دين مختلف أو مذهب مختلف.
وأنسحب أيضا إلى المذهب نفسه حيث نرى اصطفافا ثنائيا اليوم بين أتباع المذهب الواحد.
ترعرع شباب العالم العربي والإسلامي وغيره على هذه الثنائية وغرس شتلاتها المفسرون أصحاب الأبراج العاجية التي فيها يحتكرون العلم والمعرفة.
إنقاذ المجتمعات من آفة العنف والإرهاب يحتاج إلى خطوة جريئة تمنح الناس حق التفسير والقراءة وتنهي احتكار "النخبة" للعلم والمعرفة وانتقاء النصوص وتنزلها من برجها العاجي.