الطرق وسكك الحديد أهم من النفط والغاز
تعج صفحات الجرائد لا سيما المتخصصة فيها بشؤون المال والاقتصاد بتحليل ونقد الخطط التنموية الجديدة لدول الخليج العربية بعد تدهور أسعار النفط والهبوط الحاد في إيراداتها من العملة الصعبة.
والتاريخ يعلمنا أن الدول التي لحقت بركب المدنية والازدهار الاقتصادي جعلت ولا تزال من الاستثمار في النقل والتنقل عصب خططها التنموية.
وهذه الدول لها طرق سريعة وشبكات سكك حديد تجعل من تنقل الناس والسلع ضمن حدود الدولة ذاتها أمرا ميسرا وسريعا وذا كلفة لا تصبح عبئا على الاقتصاد والمساهمين فيه من الشركات ورجال الأعمال والعمال والموظفين.
وإن أخذنا مثلا الدول الاسكندنافية، التي أسوقها مرارا كمثال لما يمكن أن تكون عليه الدول الخليجية فيما لو اتبعت خططا تنموية واقتصادية ناجعة، لرأينا أن كل دولة في هذه المجموعة ما هي إلا شبكة من الطرق وسكك الحديد تسهل النقل والتنقل ليس فقط بين المدن الكبيرة، بل أيضا بين المدن المتوسطة والقرى الصغيرة.
والشبكة الداخلية لأي بلد مرتبطة بالشبكات الداخلية مع البلدان الاسكندنافية الأخرى إلى درجة أن المرء لا يشعر عند التنقل من بلد إلى آخر أنه قد دخل بلدا أجنبيا.
وحركة النقل العام، ومنها القطارات التي قد لا يزيد الفرق بين انطلاق وقدوم قطار وآخر في محطة واحدة عدة ثوان أحيانا، منظمة ومنسقة ومجدولة تمكن المسافر وصاحب البضاعة من حجز مقعده وعربته ليس قبل ساعات أو أيام، بل قل شهورا وربما سنين.
والنقل العام في هذه الدول يقدم للمسافرين ورجال الأعمال وأصحاب الشركات والتجار خيارات كثيرة تمكنهم من انتقاء ما يوائم إمكاناتهم وسرعة الوصول وشحن البضاعة.
وشبكة النقل المتطورة هذه تستثمر الدول فيها باستمرار من خلال تحديثها وإدامتها المستمرة وإدخال التكنولوجيا الحديثة.
لقد وضعت هذه الدول الخطط وخصصت مبالغ للدخول في عالم النقل بواسطة الطائرات المسيرة، مثلا، التي يرى فيها المختصون والاقتصاديون عماد النقل الداخلي في المستقبل الذي قد يقلل من أهمية الطرق وسكك الحديد.
وشبكة الطرق وسكك الحديد هذه مكنت الناس من العمل في أماكن بعيدة عن سكانها لا سيما المراكز المكتظة بالسكان. بعد مكان العمل عن المنطقة السكنية يلحق به بعض الأحيان امتيازات مادية وإعفاءات ضريبية.
وشبكة النقل المعقدة والمتطورة هذه يديرها المواطنون أنفسهم من مراقبين وسواقين وتقنيين وجباة ومهندسين وعمال ومنظفين وغيرهم، ويتم صناعة أغلب حلقاتها داخل البلد نفسه.
سر نمو وازدهار أي بلد هو النقل لا سيما الطرقات وسكك الحديد.
بيد أن أي نظرة لخريطة النقل في الدول الخليجية تظهر قصورا في هذا المجال بقدر تعلق الأمر بشبكة وخطوط النقل وسكك الحديد داخل البلدان الخليجية وبين هذه البلدان.
والقصور نفسه متوافر في الدول العربية برمتها.
ليس هناك بلد خليجي أو عربي تربطه داخليا شبكة طرقات وسكك حديد حديثة ومتطورة. الطرقات فيها قصور كبير وهي سبب نسبة الحوادث والوفيات الناجمة عنها التي تعد الأعلى في العالم.
أما سكك الحديد، التي تعد وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها في الدول المتطورة، فهي لا تزال في الدول الخليجية والعربية في مراحلها البدائية وليس هناك بلد تربطه شبكة سكك حديد متطورة.
واليوم عندما يتحدث الخبراء والمختصون عن الصين وكيف قفز اقتصادها في غضون ثلاثة عقود إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإنهم يعزون هذا التفوق إلى استثماراتها الضخمة في الطرق وسكك الحديد.
وهذا ما أكدته شركة ماكينزي التي تشتهر باستشاراتها في ريادة الأعمال والدراسات الأكاديمية في آخر تقرير لها حيث أكدت أن السر وراء تفوق الصين يكمن في استثماراتها الضخمة في شبكات الطرق وسكك الحديد.
والصين، حسب هذه الشركة، لم تبن واحدة من أحدث شبكات الطرق وسكك الحديد في العالم، بل أقامت المصانع الكبيرة لإنتاج مثلا قطارات هي الأكثر سرعة في العالم.
والصين، تقول هذه الشركة تنفق على شبكة طرقاتها أكثر ما تنفقه الولايات المتحدة وكندا ودول السوق الأوروبية مجتمعة.