مدن للطاقة
مدينة الطاقة التي أعلن عنها وزير الطاقة الدكتور خالد الفالح هي بمثابة رسالة لتوجه الوزارة نحو تحقيق "رؤية السعودية 2030". وعلى الرغم من عدم وضوح مشروع المدينة المعلن عنها، إلا أن الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها تؤكد أهمية المشروع في المرحلة المقبلة، وإن اتسمت ببعض التداخل وعدم الوضوح. فعن طريق فض الاشتباك بين مسؤوليات مختلف الجهات ومعرفة الطاقة الكامنة لدى الاقتصاد السعودي، فإن الرؤية تتبنى هدفا واضحا. ما يجعل رسم الطريق للوصول إلى أهداف الرؤية يمر عبر تحمل كل جهة معنية مسؤوليتها تجاه الوطن واقتصاده والمواطن.
وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية تحملت مسؤوليتها كجهة محورية في خطة التحول الوطني. ونظرا للأهداف الطموحة والصعبة، احتاجت الوزارة إلى مدينة الطاقة. فالوصول بالمحتوى المحلي إلى الإسهام بما يصل إلى 75 في المائة من إجمالي مدخلات صناعتي البتروكيماويات والطاقة من أكبر تحديات خطة التحول الوطني، فتحقيق هذا الهدف يعني تحقيق مجمل مبادرات الرؤية إجمالا. وهو ما سيكفل النهوض بالاقتصاد السعودي والاستغلال الأمثل لموارد الاقتصاد من النفط والغاز.
على مستوى الطاقة المتجددة، فإن التحدي يكمن في قلة الخبرة لدى كل قطاعات الاقتصاد السعودي في هذا المجال. فحتى أكثر الجهات المعنية بهذا الأمر، وهي مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، الحديثة العمر نسبيا، نجد أنها قطعت شوطا أكبر في مجال الطاقة النووية مما فعلت في الطاقة المتجددة. ولكن هذا البطء مفهوم نظرا لطبيعة نموذج أعمال قطاع الطاقة المتجددة الذي يعتمد على التقنية الحديثة في تخفيض تكاليفها. ولذلك فإن معظم الشركات الرائدة في هذا المجال منشآت صغيرة ومتوسطة الحجم. وهي بحاجة إلى تنمية ودعم حقيقي في السعودية قبل أن تعمل الجهات العلمية والحكومية على نقل التقنية. ولذلك فإن على مدينة الطاقة أن تؤسس لوادي تقنية وحواضن أعمال مختصة في تقنيات الطاقة المتجددة.
أما فيما يخص قطاع النفط والغاز، فإن التوجه نحو فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي سيمكن الاقتصاد من استقطاب كبريات الشركات العالمية، التي ستحتاج إلى خدمات منشآت محلية. استقطاب الشركات للاستثمار في السعودية سيعمل على توطين التقنية بدلا من الوضع القائم الذي تعمل فيه هذه الشركات لغاية تحقيق عقودها وتنتهي علاقتها بانتهاء المشروع. ولذلك فإن أعمال قطاع النفط والغاز بحاجة إلى تنظيمات وتشريعات مرحلية تؤهل المنشآت المحلية إلزاميا عن طريق إشراكها في كل المشاريع والعقود وعن طريق تفضيل المنتجات المحلية. مثل هذا البرنامج معمول به في "أرامكو" حاليا، ولكنه بحاجة إلى توسع عبر مشاركة الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع أيضا إضافة إلى دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة المؤهلة.
هذا التغيير الكبير في قطاع الطاقة يشكل فرصة حقيقية للنهوض بمشروع واعد سابق، وإن كان متعثرا بعض الشيء، وهو المدن الاقتصادية. فهذه المدن يمكن أن تحتضن الوادي الذي يعمل على نقل التقنية وكذلك استضافة شركات الخدمات اللوجستية. ونظرا لحداثتها وتطور بنيتها التحتية فإن كل هذه المدن يمكن أن تتحول حقيقة إلى مدن للطاقة تتبنى الرؤية السعودية.