دبلوماسية اللاجئين

كيف تكون دبلوماسيا؟ ومتى نخرج عن سياق الدبلوماسية؟
الدبلوماسية هي خطاب قبل أن تكون أي شيء آخر.
نسمع كثيرا أن التصريح أو القول الفلاني "يفتقر إلى الدبلوماسية" أو "لا يتفق مع الدبلوماسية" أو "ينتهك أو يخرج عن نطاق الدبلوماسية".
الدبلوماسية كلام قبل أي شيء آخر. وهناك أطر دبلوماسية عند الإشارة أو التحدث عن قضية ما أو التطرق إلى وضع ما أو مخاطبة شخص ما لا يجوز تجاوزها.
من يضع الحدود لما يجب أن نقوله أو لا نقوله؟
الدراسات الحديثة التي ترى أن اللغة لها وظيفة ودور في التكوين الثقافي والاجتماعي تظهر لنا أننا أحيانا قد لا نتحكم في خطابنا، وأن التعابير التي نستخدمها تعبر أوتارنا الصوتية ويخرجها اللسان إلى العلن دون وعي منا.
بيد أن هذه الدراسات أيضا تظهر أن الكثير من الأطر الدبلوماسية وبالأخص ما يرد في الإعلام لا يعكس ما يفكر فيه عقلنا، والمواقف الفكرية التي نتخذها كأشخاص أو حتى مجموعات.
في حالات كهذه هناك من يفكر نيابة عنا ومن ثم يستنبط أو يبتكر أو يستحدث أنماطا أو ممارسات خطابية محددة علينا استخدامها لتوصيف أو للتعبير عن حدث أو مجتمع أو فرد معين.
وهنا نقع نحن ضحايا أصحاب السلطة أو السطوة في المجتمع. والسلطة قد يمثلها أفراد أو مجموعات أو منظمات لها ضلع في تمشية الأمور السياسية أو الاقتصادية أو الدينية أو المذهبية أو الثقافية وغيرها.
هؤلاء لا يتحكمون في المال وحسب. إنهم يتحكمون في ما يمكن قوله أو عدم قوله. وكذلك ماذا يجب أن نقول عند التحدث إن كان حديثنا موجها إلى هذا الشخص أو ذاك أو هذه المجموعة أو تلك.
في أحد المؤتمرات الكبيرة في زيوريخ ـــ سويسرا ـــ وأمام جمهور فاضت القاعة الكبيرة به وحضره مسؤولون كبار حاولت أن أساوي دبلوماسيا ـــ خطابيا ولغويا ـــ بين الفلسطينيين والإسرائيليين استنادا إلى نظرية نتداولها في علم تحليل الخطاب وعلى سبيل المثال فقط.
الغاية كانت محاولة معرفة ماذا تفعله المساواة في التوصيف اللغوي والخطابي على المتلقي.
فما كان من بعض الحاضرين إلا الصراخ في وجهي إنني ذهبت بعيدا وعبرت "الخط الأحمر" لأنهم في سويسرا لا يسمحون بذلك. وهذا معناه أنني تجاوزت الأطر الدبلوماسية المحددة عند التحدث عن إسرائيل.
أما الفلسطينيون ومنظماتهم فلا حدود هناك كي يمكن تجاوزها.
لن أدخل في تفاصيل ما حدث بعد ذلك. ولنعد إلى عنوان المقال بعد هذه المقدمة النظرية.
هناك دبلوماسية خاصة باللاجئين في الغرب. بمعنى آخر "دبلوماسية اللاجئين" لها أطر وممارسات خطابية محددة خاصة بهم ولا يجوز تطبيقها عند التطرق أو التحدث عن مكونات اجتماعية أخرى ضمن نطاق الثقافة ذاتها.
إن اقترف لاجئ جريمة، يسلط الإعلام الضوء ليس على الجريمة ذاتها بل كون مقترفها أجنبيا.
وسرعان ما نعرف اسمه ولونه ودينه ومذهبه وأصله والدولة التي قدم منها، وأقاربه، والحي الذي يسكن فيه، وتاريخ حياته وغيرها من المعلومات التي لن نحصل عليها أبدا إن كان مقترف الجريمة ذاتها من أبناء البلد.
وقد أظهرت دراسات الخطاب النقدية أن هناك مجموعة محددة من المفردات والعبارات وحتى جمل ترد عند التحدث عن اللاجئين أغلبها تنتقص من قيمتهم كبشر مقارنة بأقرانهم من المواطنين.
ولدينا الآن دبلوماسية ــــ وقلنا إن الدبلوماسية خطاب ـــ خاصة باللاجئين. هي لغة لها مفرداتها وتعابيرها وتراكيبها يغرف منها الدبلوماسي أو الإعلامي عند التحدث عن اللاجئين.
كل ظاهرة اجتماعية تقريبا لها دبلوماسيتها ـــ خطابها ولغتها. وأغلب الأطر الخطابية الشائعة انعكاس للدور الذي تلعبه السلطة كما أشرنا أعلاه.
والظواهر الاجتماعية كثيرة، فهي تشمل الحروب والصراعات بشتى أنواعها إن كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو دينية أو مذهبية.
ومن ثم يأتي الموقف من الظاهرة الاجتماعية سلبا أو إيجابا.
وهكذا يصطف الناس من مؤيد ومعارض وربما محايد (الحياد نادر الحدوث). وكل صف له خزينه الدبلوماسي ـــ خطابه ولغته ـــ يستبدله بخزين آخر استنادا إلى الظاهرة التي هو بصددها.
وربما الآن نفهم أو صار لدينا بعض التفسير لماذا نخشى استخدام أطر دبلوماسية وخطابية لتوصيف ظاهرتين اجتماعيتين متساويتين من حيث القيمة الإنسانية ولكن مختلفتين من وجهة نظر السلطة أو الثقافة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي