قاعدة مالية جديدة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة

الاهتمام الكبير الذي تحظى به المنشآت الصغيرة والمتوسطة في عالم الاقتصاد له أوجه متعددة تعتمد على ميزاتها. فنظرا لصغر حجمها فهي تتمتع بمرونة عالية للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية بسرعة. فنجد أنها أكثر ارتباطا بالأسواق وأكثر حساسية لتلبية الطلب بدلا من العمل على إيجاده. كما أنها ذات كفاءة أعلى من المنشآت الكبيرة في توظيف الموارد البسيطة وإيجاد أصول غير ملموسة. إضافة إلى ذلك، فهي تعتمد بشكل أساس على الابتكار والإبداع في توفير منتجاتها وخدماتها فتكون أكثر فعالية في تحويل الإبداع إلى قيمة مضافة للاقتصاد. وكذلك فإنها أكثر قدرة على إيجاد الوظائف الجديدة. ونظرا لهذه العوامل مجتمعة، فإن أحد معطيات متانة أي اقتصاد هو نسبة ما تشكله المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الاقتصاد الكلي، وتصل هذه النسبة في الاقتصاديات المتقدمة إلى نحو 70 في المائة.
الاقتصاد السعودي اعتمد في مراحل نموه المبكرة، مع بداية طفرة النفط، على إنشاء الشركات الكبيرة نظرا لطبيعة نشاط قطاع النفط والبتروكيماويات والموارد الطبيعية. فهي تحتاج إلى استثمارات ضخمة وتوظيف لموارد متعددة بشكل مؤسسي لا يتوافق مع نموذج المنشآت الصغيرة والمتوسطة الابتكاري. ولكن مع رؤية التحول إلى اقتصاد فاعل بعيدا عن قطاع النفط، ولأجل إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية للشباب السعودي، فإن "رؤية السعودية 2030" تستهدف دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورفع النسبة التي تشكلها من الاقتصاد التي لا تزيد على 20 في المائة اليوم.
أهم المعوقات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد السعودي هي محدودية مصادر التمويل إضافة إلى غياب التنظيمات والتشريعات الداعمة لبيئة هذه المنشآت. الاقتصاد السعودي بنيت بيئته لدعم المنشآت الكبيرة. ولذلك نجد المؤسسات المالية تحجم عن توفير التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لأن طبيعتها لا تتوافق مع مستوى المخاطر الذي تستهدفه هذه المؤسسات. ولذلك فمن الضروري إنشاء صناعة مالية جديدة تعمل على توفير الدعم للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إما بشكل مباشر أو عن طريق الوساطة بينها وبين المؤسسات المالية القائمة. هذه الصناعة الجديدة في أساسها تعتمد على رأس المال الجريء الذي يستثمر بشكل مستمر على مدى مراحل حياة المشاريع الناشئة.
حتى يتسنى للاقتصاد السعودي بناء قاعدة مالية داعمة من صناديق رأس المال الجريء، فمن الضروري أن يكون تمويل الصناديق الأولى حكوميا. فالتمويل الحكومي يمكن أن يتمتع بأهداف اقتصادية غير تجارية مثل رفع نسبة التوظيف وعدد الابتكارات والاختراعات المسجلة. بينما يمكن للقطاع الخاص الاستثمار في الخدمات المصاحبة اللازمة لإنجاح استثمارات هذه الصناديق، التي تتمثل في حاضنات الأعمال. فتقوم هذه الحاضنات بتقديم كل الخدمات اللوجستية والقانونية والاقتصادية اللازمة بشكل يكفل المتابعة المستمرة للاستثمارات والتدفقات النقدية للنشاط. إضافة إلى توفير التدريب اللازم للقائمين على هذه المشاريع بما يضمن حسن إدارتها. ولضمان تنوع الخدمات المالية التي تقدمها هذه الصناعة، فمن الضروري إنشاء سوق مالية تختص بتعاملات المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بحيث توفر للصناديق سيولة أعلى وتنوعا في وسائل التمويل المقدمة، سواء كانت أسهما أو قروضا. نجاح هذه السوق هو ما سيكفل دخول القطاع الخاص إلى هذه الصناعة لإنشاء صناديق رأسمال جريء أكثر تخصصا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي