وزارة الطاقة .. ركن «الرؤية» والاقتصاد
بعد تبلور الرؤية السعودية 2030 وأخذها شكلها النهائي، بدأ زخم الرؤية بنفسه الداعي للتغيير في الظهور في أعلى مستويات صناعة القرار. فالتغيير الذي تستحثه الرؤية السعودية 2030 يهدف إلى إعادة رسم صورة السعودية بشكل جديد، على الصعيد الاقتصادي خصوصا. وحتى يكون مثل هذا التغيير الكامل ممكنا، فلا بد من إتاحة المساحة اللازمة له، وما يصاحبه من قوانين وتشريعيات تمكن الاقتصاد من الخروج من موقعه الذي اعتاده لعقود طويلة، الأمر الذي تطلب إعادة هيكلة مجلس الوزراء والوزارات بما يتوافق مع طموح الرؤية يوم الخميس الماضي.
أحد أهم التغييرات كان إعادة تسمية وهيكلة وزارة البترول، لتصبح وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، حيث أصبحت مختصة بكل ما يتعلق بمجالي الإنتاج الصناعي والطاقة، بما فيها الكهرباء. وجاءت تسمية المهندس خالد الفالح وزيرا للطاقة بمنزلة رسالة واضحة لما هو مطلوب تحقيقه من الوزارة بشكلها الجديد وباسمها الجديد. فهي الآن وزارة للطاقة، إنتاجا واستهلاكا وترشيدا. ونظرا لتنامي احتياجات الاقتصاد السعودي إلى الطاقة بشكل مفرط، حتى أصبحنا نستهلك ثلث إنتاجنا النفطي، فمن الضروري البحث عن مصادر متعددة وأكثر كفاءة إلى جانب ترشيد الاستهلاك غير المنتج. هذه المسارات المتعددة موزعة على أكثر من جهة حكومية وشبه حكومية لدرجة وصلت إلى التعارض والتقاطع في بعض الأحيان.
فعلى سبيل المثال، بدأت "أرامكو" قبل نحو عقد بوضع خطة للتحول لشركة طاقة عالمية، حيث تدخل إلى مجال الطاقة المتجددة، ولكن بعد إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، عدلت "أرامكو" توجهها نحو البتروكيماويات، ولذلك فإن جمع كل هذه الجهات تحت مظلة وزارة الطاقة ووزيرها الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة "أرامكو"، سيوضح معالم طريق تلبية احتياجات الاقتصاد السعودي من الطاقة بأشكالها كافة. فتعمل كل جهة على تعظيم العائد على مواردها، إضافة إلى الحفاظ على بقية الموارد.
كما أن ضم كل ما يختص بالصناعة من تنظيم حتى التشجيع إلى وزارة الطاقة ليس إلا إعادة للأمور إلى نصابها الطبيعي. فأهم ميزة نسبية للاقتصاد السعودي، التي عملت وستعمل دائما على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الصناعية الكبيرة، هي انخفاض تكلفة الطاقة، ولذلك فإن علينا استغلال هذه الميزة النسبية بشكل يتماشى ويتناسب مع احتياجاتنا إلى الطاقة بما يوسع قاعدة الاقتصاد السعودي الصناعية. وبهذا الشكل سيعمل الاقتصاد على توفير الوظائف الصناعية، وتعزيز الصادرات بالتكلفة الحقيقية للطاقة محليا، التي دائما ما ستبقى أقل من نظيرتها العالمية.
استهلاك ثلث إنتاجنا من النفط ليس بالأمر المستدام، ولذلك فإن توحيد الجهود وتكثيفها هو ما سيعمل على إيجاد الحلول. وأفضل طريقة للعمل على ذلك هي بالتنسيق بين مختلف الجهات ووضعها في خط سير واحد بدلا من أن تكون خطوط سير متقاطعة تضيع وقتنا. فعام 2030 ليس بعيدا جدا كما يبدو، وتحقيق الرؤية الطموحة يحتاج إلى بدء العمل الآن.