Author

صُنع في «المستقبل»

|
يقول العرب الأولون عن الشيء القريب على سبيل الاستشهاد: "على مرمى حجر" ولعلي أستأذن التاريخ لأقول للجغرافيا: "على مرمى عطر" تهب نسائم الأخبار عن دخول جارتنا الجميلة "دبي" عالم صناعة المستقبل وليس استشرافه فقط من خلال إعلان استراتيجية للنقل ذاتي القيادة في عام 2030 تهدف لأن تكون مدينتهم أنموذجا يحتذى للعالم كله في هذا التحدي الكبير. نعم إنها نسائم عطر المستقبل، تفكر وتدرس وتخطط وتنفذ وتحتفل بالتطبيق في ساعته وموعده.. إعلان يتحدث عن كل شيء لهذا المشروع، نسبة الوفر حيث سيقلل المشروع تكاليف التنقل بنسبة 44 في المائة، وتوفير 105 مليارات درهم نتيجة لخفض التلوث البيئي لـ 12 في المائة و18 مليار درهم عبر رفع كفاءة التنقل بنسبة 20 في المائة في دبي، ورفع الإنتاجية بنسبة 13 في المائة من خلال تجنب هدر 396 مليون ساعة سنويا على الطرقات، وتقليل الضغط على البنية التحية بنسبة 20 في المائة، والحد من حوادث المرور بنسبة 12 في المائة وتوفير ملياري درهم سنويا، وبناء الطاقات البشرية، وكلها بلغة الأرقام التي تجعلك مسؤولا أمام التاريخ والناس. في وقت تتحول فيه برلمانات دول عريقة لساحة ملاكمة، ودول أخرى لفنون السب والشتائم البذيئة، ودول أخرى لصمت رهيب تشعر معه أن هذه المجالس متاحف للشمع أكثر منها للعمل، يعلن بهدوء في دبي أن صناعة المستقبل أصبحت هي الهدف وليس استشرافه فقط.. الإعلان عن محاور مهمة في قرار واحد: تحويل مدينة دبي إلى مكان مستدام من خلال استراتيجية دبي للطاقة النظيفة وأكبر مجمع طاقة شمسية في العالم ووضع لبنة أنظمة المواصلات ذاتية القيادة. ويقوم مفهوم "النقل ذاتي القيادة" عالميا على أنظمة النقل المعتمدة على منظومة النقل ذاتي القيادة (المترو، الحافلات، السيارات، الطائرات، القطارات) وغيرها من وسائل التنقل ذاتية القيادة. ويبدو أن النتائج الواعدة لأنظمة التنقل الذاتية القيادة دفعت الدول حول العالم للتسابق لتشغيل أنظمة النقل الذاتي القيادة حيث تختبر اليابان أول سيارة أجرة ذاتية القيادة لاستخدامها في أولمبياد 2020، كما صممت الصين أول طائرة أجرة كهربائية ذاتية القيادة، فيما سمحت دول كألمانيا وهولندا وإسبانيا لاختبار السيارات ذاتية القيادة في شوارعها، إضافة إلى دخول الشاحنات ذاتية القيادة إلى طرقات أوروبا. في الوقت الذي يجب علينا أن نعمل عليه محليا وعربيا على خفض معدلات الوفيات والإصابات نتيجة حوادث المرور حيث تشكل نسب الوفيات جراء الحوادث المرورية في السعودية وفقا لتقارير إعلامية نحو 17 وفاة يوميا و68 ألف إصابة في السنة، وخسائر مالية تصل إلى 13 مليار ريال سنويا، وهي أرقام تحتاج إلى أكثر من مجرد أنظمة لرصد المخالفات المرورية وحملات التوعية! هذا الدرس الإماراتي للعالم في استثمار الذكاء الاصطناعي وتحويله لنموذج حياة، هو بلا شك ما يعزز من قيمة الحوار في رسم السياسات الاستراتيجية للتنمية المستدامة في كثير من المشاريع التي تتبناها الدول، ومدى تأثيرها في البيئة ورفاهية المجتمعات، وصناعة المستقبل، بدلا من استهلاك الحاضر بشكل يجعل من الغد تهديدا أكثر منه تحديا!
إنشرها