الطاقة الكامنة للاقتصاد السعودي

عندما تمر أي دولة أو شركة أو حتى أسرة بصعوبات مالية، فإنها تلجأ إلى إجراءات تقشفية وعملية ترشيد مالي. وعادة ما تستهدف هذه العملية إبقاء مستوى الإنتاج والربحية أو جودة الحياة على حاله أو حالته السابقة قبل الصعوبات مع تخفيض التكاليف. فتبدأ الجهة المتقشفة بالبحث عن موارد أو طاقات كامنة غير مستغلة تمكنها من رفع الكفاءة بتكاليف أقل. وهي عملية طبيعية حميدة نتيجة ترافق دورات الصعود والهبوط الاقتصادي، تستدعي الاختراع والابتكار، فالحاجة هي أم الاختراع.
السعودية تمر اليوم بهذه التجربة نظرا لدورة الهبوط الحاصلة في أسعار النفط، التي يتوقع أن تستمر لفترة طويلة؛ نظرا لتراكم طفرة المعروض وضعف النمو الاقتصادي العالمي. وقد نجحت في العام الماضي في السيطرة على النفقات الحكومية بشكل جيد، حيث كسرت الحدة في اتجاه المصروفات الزائدة عن المرصودة في الميزانية. ولكن وضع سوق النفط غير المطمئن على المدى البعيد بحاجة إلى أكثر من الانضباط المالي. ولذلك علينا البحث عن الطاقات الكامنة للاقتصاد السعودي.
أحد أهم الملفات التي يمكن الاستفادة منها هو رفع كفاءة الإنتاجية بشكل عام. فإنتاجية العامل السعودي، في القطاع العام خصوصا، هي الأدنى بين دول مجموعة العشرين. ولكن مثل هذا البرنامج في حاجة إلى استثمارات ضخمة وتغييرات كبيرة في بيروقراطية سوق العمل وقطاع التعليم. يمكن توفير هذه الاستثمارات عن طريق برامج لترشيد النفقات في جميع الأجهزة الحكومية، حيث يتم تشكيل لجنات لترشيد الإنفاق ورفع الكفاءة في الوقت نفسه. على أن تستهدف هذه البرامج المستويات الدنيا من الموظفين، فيذهب كل ما ترشده هذه اللجان من نفقات غير ضرورية إلى دعم وتدريب الموظفين.
ملف آخر بدأت الحكومة بتفعيله بشكل جاد، هو السعودة الحقيقية عن طريق تقنين إحلال المواطن مكان الأجنبي الذي لا يحتاج إليه الاقتصاد. فهناك قطاعات مهمة ومحورية للاقتصاد السعودي يصعب على السعودي العمل فيها مثل قطاع التشييد والبناء، كونه ما زال يعد اقتصادا ناميا. أما بقية القطاعات، خصوصا التجزئة، فإن فتحها أمام الموظف السعودي بحاجة إلى التقنين. الفائدة الكامنة وراء هذا البرنامج تتعدى توفير الوظائف بشكل مباشر، فهي تسهم أيضا في تحجيم النزعة الاستهلاكية القوية لدى المجتمع السعودي بشكل عام.
يبقى ملف الاستهلاك المفرط وكفاءته والهدر الحاصل في استخدامنا للموارد الطبيعية المحدودة. فكل ما نعتمد عليه في حياتنا اليومية من وقود وماء وكهرباء يأتي على حساب قدرة السعودية التصديرية. وعلى كل المقاييس، نجد أن معدلات الاستهلاك المحلي من النفط مرتفعة جدا، سواء على مستوى الفرد أو الناتج المحلي. ولذلك فمن الضروري أن يستهدف برنامج إعادة تسعير الخدمات تخفيض الاستهلاك إضافة إلى خفض العبء المالي على الميزانية الحكومية. فمجرد رفع الأسعار سيحد من الاستهلاك، دون تغيير النمط الاستهلاكي. ولكن إن تم دعم الترشيد ومكافأته عن طريق دعم نقدي أو غير نقدي مباشر، فإن ذلك سيسهم في تعزيز ثقافة الترشيد. العمل بشكل جاد على جميع هذه الملفات كفيل بتخفيض اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، حتى لو بقي مصدر الدخل الأهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي