السعودية .. الموقف التجاري والأخلاقي

أوضحت المملكة موقفها من الإمدادات النفطية العالمية منذ سنوات. وقامت بتفعيل أكبر لهذا الموقف قبل عامين، عندما قررت أن يكون هناك إصلاح شامل للسوق النفطية العالمية، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، غير الاعتبارات التي يفرضها حراك السوق. ورغم الأضرار التي لحقت بها من جراء هذا التفعيل، فإن السعودية أصرت على المضي حتى النهاية. لماذا؟ لأن الاستقرار والاستدامة هما العاملان الأكثر قوة لحماية الإمدادات، ولا سيما في ظل انفلات إنتاجي عالمي واضح من جانب البلدان خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، وعدم تعاونها على مدى سنوات في هذا المجال. المنتجون المنفلتون تحركوا في إطار ضيق لا يخدم السوق، بل لا يخدم مصالحهم على المدى البعيد. لأن الأمور على الساحة النفطية لا تسير بهذه الصورة الملتبسة.
لا تخفي المملكة أي سياسات في هذا الصدد. وكل تحركاتها الحالية والسابقة، تستند إلى أرقام ووقائع معروضة على الجميع. بل إنها مضت أبعد من ذلك، عندما حرصت على أهمية التعاون بين جميع البلدان النفطية داخل "أوبك" وخارجها، وتركت كل الأبواب مفتوحة للتفاهمات الاستراتيجية وليس الآنية. لقد نالت السوق النفطية العالمية ما نالت من فوضى وانفلات إنتاجي، لم يعد مقبولا أن تستمر هكذا، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته، خصوصا مع استفحال تردي أسعار النفط التي خسرت ما يزيد على 70 في المائة من مستوياتها في غضون أقل من عامين. هناك حقائق واضحة، لا بد من أن يتقدم كل المنتجين للقيام بدور إيجابي واضح يعي المخاطر الراهنة والآجلة معا، لتردي أسعار النفط.
وتماشيا مع السياسة الواضحة للمملكة، كان موقف مجلس الوزراء واضحا أكثر، حيال دور السعودية في الإمدادات النفطية على الساحة العالمية. وهي "كما أكد المجلس" تستثمر أموالا طائلة لتلبية الطلب الإضافي والتعاطي مع انقطاع الإمدادات. وفي الواقع هذا التزام سعودي تجاري وأخلاقي أيضا، على الرغم من تصميم الرياض على موقفها الذي يستند إلى أن السوق هي التي تحدد المعايير للنفط وحراكه. ونقول أخلاقي، لأن المملكة لم تتأخر في أوقات الأزمات والانفراجات عن تنفيذ سياساتها المعلنة، لأنها تنطلق في الواقع من سياساتها العامة التي تخص كل شيء. فعندما كان الطلب العالمي مرتفعا، كانت السعودية تلبي احتياجات السوق، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. بمعنى آخر، لم تدع هذه السلعة في ساحة اللعب والمراوغة. بينما وضعتها بلدان نفطية أخرى، في هذه الساحة الخطيرة.
لقد أثبتت الأشهر القليلة الماضية، أن المملكة التي لم تتراجع عن سياساتها في تصحيح السوق النفطية، فتحت كل الأبواب للتعاون مع الجميع، لماذا؟ للحد من التقلبات في هذه السوق. ولم تترك مبادرة تعاون مطروحة إلا وقامت بالاهتمام بها من زاوية استراتيجية مستدامة وواقعية أيضا. وهي إذ تصر على موقفها الواضح الذي يصب في مصلحة الجميع على المدى البعيد، تشدد مرة أخرى على القاعدة الثابتة لديها، وهي أن حراك السوق ينبغي أن يكون على أساس تجاري، ولا مجال لأي معايير أخرى. إنها مسألة مبدأ، يصعب على دولة كالسعودية أن تتراجع عنه، لسبب واحد فقط، وهو أنها لم تعتد على التراجع عن القضايا المبدئية في كل المجالات.
تأكيدات مجلس الوزراء السعودي، أضافت دعما آخر لسياسة السعودية الشاملة حيال التعاطي مع النفط ومستقبله، وحراك السوق الخاصة به. كل هذا يأتي في إطار التزام سعودي بتلبية الطلب العالمي على الطاقة في كل الظروف والمسببات. وعلى هذا الأساس، لا بد للبلدان النفطية الأخرى، أن تعرف أن المبادئ السعودية ليست قابلة للحلول الوسط، خصوصا عندما تكون المملكة قد استنفدت كل الفرص التي منحتها للمنتجين، على مدى سنوات وليست أشهرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي