«أنا خير منه» (1)
غضب صديقي عندما شاهد اسمي يتذيل قائمة شاهدها, وبدأ يتأول ويتوغل في نقاش هدف من كتب ذلك البيان وكيف أنه حاول التقليل من قيمة صاحبه. استمر الحال لمدة غير قليلة وأنا أحاول أن أبرر للكاتب وأؤكد لصاحبي أنه لا أهمية لموقعي في البيان وطريقة التعبير عنه, لكنه استمر في تحليل الأسباب, ما جعلني أبدأ بالميل نحو أخذ الموقف نفسه من صاحب البيان.
اندفعت بحكم رغبتي البشرية في أن أكون, وأن آخذ ما أراه من حقي. ثم ما لبثت أن خرجت من المكان, وأنا أقود السيارة نحو البيت ألهمني الله فتذكرت ما جعل بدني يقشعر من موقفي الإنساني الذي اعتبرته ويعتبره كل واحد طبيعيا.
تذكرت أن أول ذنب ارتكبه مخلوق من مخلوقات الله تلخص في كلمة مدوية أثبتت غباء النظرة إلى الذات باهتمام, والنظرة للآخر بدونية أو محاولة فعل ذلك, وهو ليس حكما على من كتب البيان آنف الذكر. لقد قال إبليس لربه الذي خلقه عندما عصى الأمر الرباني بالسجود لآدم عليه السلام, كلمته المدوية التي بدأت كل ذنوب خلق الله.
"قال أنا خير منه", لخصت كلمة إبليس كل معاني الفوقية ومحاولة تعظيم أو تزكية الذات التي ليس للعبد أن يفعلها. إذ إن إبليس تبعها بكلمة دلت على عدم منطقية وجهة نظره, عندما قال " خلقتني من نار وخلقته من طين". ليس لي أن أناظر العلماء الذين رأوا أن الطين أعظم من النار أو أهتم في الواقع للفرق بينهما. ما يهمني هنا هو أن الاثنين من مخلوقات الله, وأن الخالق جلت قدرته هو الوحيد الذي يضع القيمة لمخلوقاته وليس لأي منهم أن يفعل ذلك.
عندما قرر الله سبحانه أن تسجد كل المخلوقات لآدم, فقد أعطاه ميزة ليس لأي منهم أن ينازعه إياها. وهنا وقع إبليس في الذنب العظيم الذي بسببه فقد قيمته وخسر خسرانا ليس بعده خسران. بهذه الكلمة وبهذه النظرة الفوقية قرر إبليس أن يأخذ موقعه من النار كأول من عصى ربه.
إذا كان عصيان الله هو أكبر الذنوب بل أولها في تاريخ المخلوقات المعلوم بالنسبة لنا, فكيف بأثره في مدار تاريخ البشرية؟
هذا ما سأحاول أن أحذر منه في الحلقة المقبلة.