أوقافنا «قوة اقتصادية ساكنة»
من المؤلم أن نسمع مقولة إن واقع الوقف في المملكة لا يتناسب مع القوة الاقتصادية، والدينية التي تمتلكها في محيطها المجتمعي. المملكة كدولة إسلامية رائدة ينظر إليها كقدوة في مجالات دينية واقتصادية كثيرة من بينها موضوع الأوقاف وإنشاؤها وإدارتها والانتفاع بها. وهذا حقيقة لا يمثل الواقع الذي نعيشه، فالأوقاف في المملكة رغم وجود الدافع الديني في إقامتها، ووجود بعض التنظيمات واللوائح التنفيذية المساعدة في إنشائها وإدارتها، إلا أنها لم تتهيأ لها فرص إحداث الأثر والتغيير المطلوب لها. الاعتراف بعدم فاعلية الوقف جاء أيضا على لسان وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بتصريحه لـ "الاقتصادية": "... إن قطاع الأوقاف في المملكة يعاني عدم التنظيم والشفافية، وإن رفع مستوى الثقة يتم في وجود مركز للأوقاف في أكثر من منطقة في البلاد." ("الاقتصادية"، عدد 15 فبراير 2016).
إقرار الوزير خلال الملتقى الثالث للأوقاف الذي نظمته غرفة الرياض ولجنتها للأوقاف، لم يكن بحاجة إلى كل هذا الوقت حتى نصل لهذه القناعة. من الواضح للجميع أن موضوع الأوقاف في المملكة لم يعط الرعاية الكافية، بل ظل لسنوات حكرا على عمل الخير فقط، ولا يحمل هدف تحقيق التنمية المستدامة الذي يجب أن نصل إليه من خلال توظيف جميع مواردنا المالية الحالية (وما تحقق في سنوات ماضية)، من أجل تحقيق أصول منتجة يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في حل كثير من القضايا التي نعايشها، بل إنه كان وسيكون أحد أهم الخيارات التي ستؤهلنا لمرحلة ما بعد النفط، لتحقيق استقرار ونماء مجتمعي شامل.
مجالات الوقف كثيرة ومتعددة، ويمكن أن تدخل في جميع مجالات الحياة متى ما قُرنت بأنظمة العمل وممارسة الحياة التجارية، من أجل تحقيق تنمية مستدامة ونفع شامل بعيدا عن مكاسب خاصة أو فئوية لنسبة قليلة من التجار على حساب طيف كبير من المستفيدين المحتملين. ويكفي أن نعلم أن أغنى عشر جامعات في أمريكا تملك أوقافا تعادل الناتج القومي لعدد من الدول ومنها على سبيل المثال مجموع الأوقاف التابعة لجامعة هارفارد Harvard University التي تزيد على 32 مليار دولار تعادل إجمالي الناتج القومي للأردن، في حين أن جامعة يال Yale university تملك أوقافا تزيد على عشرين مليار دولار، ما يعادل إجمالي الناتج القومي لدولة زامبيا.
كثيرة هي مجالات إنشاء الأوقاف في التعليم، والصحة، والطرق، والتوظيف والسياحة والحياة العامة وغيرها، متى ما هُيئت البنية الأساسية لقيام هذه المشاريع الوطنية من خلال إنجاز نظام هيئة الأوقاف وتفعيلها ومنحها الفرصة الكاملة للعمل، وتمكين أدوات الابتكار والحوكمة والشفافية وإشراك أصحاب المصالح. وهذا الأمر غير مستغرب في عهد القيادة الرشيدة ممثلة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والإرادة الحازمة التي يتمتع بها خادم الحرمين الشريفين من أجل تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة لمستقبل المملكة ومواطنيها.