الأوقاف المجتمعية
تؤكد نظريات الاقتصاد أن زيادة العرض يكون لها تأثير كبير في العوامل الأخرى، بل إنها تقود إلى تنافسية السوق. هذه التنافسية تكون في السعر، وفي خدمات ما قبل وبعد البيع، وفي الفائدة المجتمعية لهذه الكيانات الاقتصادية. بقاء الأسواق رهنا بيد فئة قليلة من المتحكمين في السوق سيؤدي بالتأكيد إلى سوق محتكرة، تلغي أو تقلل من تنافسية السوق من جهة وتزيد الطبقيات داخل المجتمع.
معاملة الأوقاف من ناحية دينية فقط وإسنادها إلى جهة تهتم في الأساس بنشر الدعوة الإسلامية، والتوعية الدينية، يفقد المجتمع فرصا كبيرة قد تتحقق من خلال تبني فكر الأوقاف Endowment في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع وتحقيق الرفاهية والازدهار له. إن تبني فكر التخصصية بين المؤسسات سيقود بالتأكيد إلى فصل مهمة إدارة وتنمية الأوقاف عن أي جهة أخرى، فتنمية استثمارات الأوقاف وتطوير الأوقاف يجب أن تكون مهمة اقتصادية في الدرجة الأولى وتتكامل مع احتياجات الوطن والمواطنين.
الأوقاف المجتمعية هنا يقصد بها إعطاء الفرصة للمجتمع ومؤسساته العامة والخاصة لتطوير أوقاف مستقلة، تمثل كيانات اقتصادية ذات فوائد مستقبلية تعود بالنفع على المجتمع وفقا لاحتياجاته وفرص إقامتها. ومن الفوائد التي يمكن أن تتحقق من خلال تنمية استثمارات الأوقاف المجتمعية توفير بدائل من المنتجات بأسعار تنافسية، وتوفير الفرص الوظيفية لأبناء وبنات المجتمع والمساهمة في تحقيق التنمية والاكتفاء الذاتي، إضافة إلى إيجاد فرص للإنتاج المعتمد على كفاءة البشر والموارد المتاحة.
كثيرة هي التجارب العالمية التي تقوم على الاستثمار في الأوقاف، كمؤسسات التعليم العالي، ومراكز الخدمات الصحية والطبية المتقدمة، والخدمات البلدية والتجارية والصناعية التي تلامس حياة الناس. هذه المؤسسات تحقق فائدة كبرى للمجتمعات التي تنشأ فيها. في المقابل نرى أن فرص تنمية الأوقاف في المملكة لم تجد الفرصة لتواكب كثيرا من الدول الأخرى، التي تقدمت كثيرا في تطبيق هذا الفكر لتحقيق التنمية المستدامة. بل إننا نرى بعض الجهات التي بادرت في السنوات الماضية لتبني فكر الأوقاف للمساهمة في التنمية وفي إيجاد الفرص، وقد تعثرت أو أصابها الركود ولم تكتمل مشاريعها دون وجود إيضاحات عن المسببات الرئيسة خلف هذا البطء.
لذلك أدعو إلى ضرورة دراسة واقع الوقف في مجتمعنا، والتعرف على المسببات التي أدت إلى عدم الاستفادة من هذا المفهوم المتجذر في ديننا الإسلامي، الذي طوره كثير من دول العالم حتى أصبح من أكبر الأدوات الراعية لتنمية المجتمعات، وتطوير البحوث، وتحسين الخدمات العامة والخدمات الصحية وإيجاد الفرص الوظيفية لتحقيق تنمية مستدامة، وتحقيق الاستفادة من ثروات المجتمع في إعادة بناء المجتمع نفسه، لا أن يكون المجتمع عبئا على الدولة في الإنفاق، وموردا للدخل لفئة قليلة من التجار.