شراكة الرياض وبكين .. دلالات عميقة

يمكن القول إن السعودية والصين الشعبية راضيتان تماما بكل ما تم تحقيقه حتى الآن من إنجازات على مستوى العلاقات الثنائية والتعاون المشترك، جاء ذلك بمناسبة الزيارة التاريخية لرئيس الصين الشعبية للسعودية أخيرا، فقد حققت العلاقات الدبلوماسية قفزة منذ إطلاقها عام 1990، وتوجت أعمالها بالإعلان عن علاقات الصداقة الاستراتيجية بينهما في عام 2008، وبناء على هذا النجاح المستمر فإن البلدين يعتقدان أن الوقت قد حان لتجاوز مرحلة التعاون المشترك والارتقاء بالعلاقات السعودية ــــ الصينية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، فالبلدان يرتكزان على عمق سياسي واقتصادي وتاريخي يمكنهما من الوقوف جنبا إلى جنب عند مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو مستوى رفيع جدا من العلاقات يصعب تحقيقه، ما لم يدرك الطرفان تماما أنهما يمتلكان القدرة على منح النجاح لهذه الشراكة وبالمستوى نفسه من الدعم.
فعند الحديث عن المواقف الاستراتيجية عند مستوى الدول والحكومات من الصعب أن تصل دولتان إلى هذا المستوى، مستوى دعم الفوز لكلا الطرفين، Win-Win، فالغالب أن يقف العمل عند مستويات Win-lose، أو Lose-Win، وهو مستوى التعاون حتى حدود التنافس أو حدود تعارض المصالح، هناك يجب على أحدهما أن يخسر، لكن مستوى الشراكة الاستراتيجية هو العمل معا من أجل الفوز، أو في أسوأ الظروف، فإذا فاز أحدهما فليس هناك ضرورة لأن يخسر الآخر. فالفوز إذا تحقق يتحقق للطرفين كشرط، لكن ليس هذا على حساب أي طرف منهما، لهذا فإن الوصول إلى هذا المستوى من العمل له دلالات عميقة على الجميع أن يقرأها بعناية، وقد أشار إليها البيان الصادر بمناسبة انتهاء زيارة رئيس الصين للمملكة.
لقد بدا واضحا في المجال السياسي اعتراف كلا الجانبين بالتعددية القطبية، وأن كلا الطرفين قد حققا واقعا سياسيا يصعب تجاوزه كأحد أقطاب العالم اليوم. ولهذا نص البيان بكل وضوح على أن لدى السعودية والصين الشعبية مصالح واسعة النطاق في كثير من القضايا الإقليمية والدولية المهمة، وسيقومان بتكثيف التنسيق والتعاون في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، وغيرهما من المنظمات الدولية والمحافل المتعددة الأطراف. ويؤكد الجانبان أهمية قضية إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما يدعم الجانب السعودي قيام الجانب الصيني باستضافة مجموعة العشرين عام 2016، وسيبذلان جهوداً مشتركة معها لإنجاح القمة، كما توافقت الرؤى حول الوضع في الشرق الأوسط بشكل عام، وسبل الخروج بحلول سليمة للوضع الراهن. وهكذا فإن البيان يضع البلدين كشريكين مهمين لبعضهما البعض على الساحة الدولية، لتعزيز المواقع السياسية لهما. ولأن إطار العمل هو الفوز المشترك فإن البيان ينص على الالتزام بسياسة الصين الواحدة، والحفاظ على أمن المملكة واستقرارها وتطوير اقتصادها وتحسين معيشة شعبها ودعمه قيام الجانب السعودي بدور أكبر في الشؤون الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار أيضا فقد أكد الطرفان العمل على مكافحة الإرهاب ورفضهما لربطه بأي دين أو مذهب.
كما ظهرت سياسة الفوز المشترك لكلا الطرفين بشكل واضح مع اتفاق الجانبين على مواصلة الالتزام بمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وتفعيل دور اللجنة السعودية ـــ الصينية المشتركة، وتوسيع الاستثمار المتبادل وحسن التعامل مع المشاريع المتبادلة في مجالات السكك الحديدية والطرق والجسور والاتصالات والموانئ، والتعاون في مجالات الفضاء وإطلاق الأقمار الاصطناعية والاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقات الجديدة. وفي المجالات الثقافية والإنسانية سيتعامل الطرفان باحترام وتسامح يحقق التعايش المنسجم بين مختلف الحضارات البشرية، وسيبذل الجانبان جهودا مشتركة لتشجيع التبادل الثقافي بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي وإقامة الأسابيع الثقافية والمشاركة للحفاظ على التنوع الحضاري بروح التسامح والاستفادة المتبادلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي