Author

الوضع المائي في السعودية «3» .. ماء متجدد

|
تحدثنا في المقال السابق عن مصادر المياه غير المتجددة في السعودية وهي المياه الجوفية العميقة، ورأينا أنها تمثل الغالبية العظمى من مجمل المياه محليا وبنسبة تصل إلى 65 في المائة "حسب أرقام عام 2000" وسنتحدث هنا عن مصادر المياه المتجددة في السعودية وهي المياه السطحية "المحتجزة غالبا خلف السدود" والمياه الجوفية الضحلة "على أعماق أقل من 100 متر" ومياه البحر المحلاة وأخيرا مياه الصرف المعالجة. بشكل عام فإن المياه السطحية كالأنهار والبحيرات تمثل المصدر الأساسي للماء في جميع أنحاء العالم بنسبة تصل إلى 73 في المائة من مصادر المياه المختلفة في حين تأتي المياه الجوفية في المركز الثاني وبنسبة 18 في المائة، أما المصادر غير التقليدية فهي قليلة جدا بالمقارنة ولا تمثل إلا ما نسبته 9 في المائة فقط "جميع الأرقام وفق إحصائية عام 2000" في السعودية، وكما ذكرنا سابقا فإن الوضع مختلف تماما، حيث تتبوأ المياه الجوفية ـــ بشقيها الضحل والعميق ـــ الريادة وبنسبة كبيرة تصل إلى 86 في المائة تليها المياه السطحية بنسبة 7 في المائة ثم مياه البحر المحلاة بنسبة 6 في المائة ثم أخيرا مياه الصرف الصحي المعالج وبنسبة لا تتجاوز الـ 1 في المائة. يتم عادة الجمع بين المياه السطحية والمياه الجوفية الضحلة وتسميتها بالمياه المتجددة ـــ أي أنها "في الغالب" مياه لا تنضب، حيث يقوم المطر بتعويض ما يتم استنزافه من هذه المصادر، تقدر بعض المصادر كمية هذه المياه في السعودية بستة آلاف مليون متر مكعب وهو ما يمثل 28 في المائة من مجمل المياه ـــ الأرقام تختلف من مصدر إلى آخر، أهمية المياه المتجددة أنها هي المصدر الموثوق للمياه في أي مكان في العالم لاستمراريتها عاما بعد عام. محليا لا تمثل المياه المتجددة للأسف سوى نسبة ضئيلة من مصادر المياه لا تتعدى الـ 35 في المائة "وهي مجموع المياه السطحية والجوفية الضحلة ومياه البحر المحلاة ومياه الصرف المعالجة". سنتحدث بعجالة عن هذه المصادر باستثناء مياه البحر التي سنخصص لها المقال المقبل. المياه الجوفية الضحلة هي مياه متجددة بمعنى أنها تتغذى من مياه الأمطار المتسربة التي تعوض ما يتم استنزافه وتكون على أعماق بسيطة لا تتجاوز 100 متر، المشكلة الأكبر هي في المياه الجوفية العميقة والتي تكونت في عصور جيولوجية سابقة قبل آلاف السنين، هذه المياه غير متجددة "لا يتم تعويض المستهلك منها بمياه الأمطار" وما يؤخذ منها لا يمكن تعويضه. أما بالنسبة إلى المياه السطحية فعند الحديث عنها على مستوى العالم فإن المقصود هو غالبا مياه الأنهار والبحيرات، إنما في السعودية فهي ترمز إلى مياه الأمطار الموسمية التي تتجمع في الأودية وخلف السدود، وبالتالي فهي مياه سطحية مؤقتة أو غير دائمة الجريان وعليه أيضا فإن كمية المياه السطحية تعتمد بشكل مباشر على كمية هطول الأمطار على المملكة، التي تعد من الأقل عالميا ـــ في حدود الـ 100 مليمتر سنويا، عموما تقدر كمية المياه السطحية والجوفية المتجددة في المملكة بستة آلاف مليون متر مكعب سنويا وغالبيتها محتجزة في السدود وتحديدا في الجنوب الغربي من المملكة. مياه الأمطار هي المصدر الأساسي لهذه المياه الجوفية الضحلة والمياه السطحية، لذلك يجب تعزيز الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن كانت سنغافورة تعاني المشكلة ذاتها، فعلى الرغم من وفرة هطول الأمطار هناك إلا أنها كانت تذهب سدى، حيث تصب في البحر، هذا الوضع هو شبيه بما يحدث حاليا في السعودية، حيث تشير بعض المصادر إلى أن الاستفادة من مياه الأمطار محليا لا تتجاوز الـ 10 في المائة وهي المحتجزة خلف السدود، قامت سنغافورة بالعمل على تعظيم الفائدة من مياه الأمطار Rainwater Harvesting من خلال تجميعها في خزانات جوفية وسطحية، حاليا تمت تهيئة 67 في المائة من مساحة سنغافورة لاستقبال الأمطار وتحويلها إلى الخزانات المائية، يتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى 90 في المائة في عام 2060 أي أن كل قطرة مطر تسقط على سنغافورة سيتم تجميعها وخزنها والاستفادة منها. وأخيرا مياه الصرف المعالجة وهي في الواقع أشمل من مياه الصرف الصحي، فهي المياه التي تم استخدامها مرة واحدة أو أكثر سواء في المنازل "صرف صحي" أو المصانع "صرف صناعي" أو المزارع "صرف زراعي". نظريا بل وواقعا تمكن معالجة هذه المياه وإعادة استخدامها مرة أخرى لأي مجال. بالنسبة إلى مياه الصرف المعالجة فإن الاستفادة منها محليا قليلة جدا بسبب عدم وجود شبكة لتجميع ومعالجة هذه المياه في مختلف المدن، نسبة ما يتم تجميعه ومعالجته من مياه الصرف الصحي والصناعي لا تتجاوز الثلث، تبلغ كمية المياه المعالجة 240 مليون متر مكعب سنويا وهو ما يمثل 1 في المائة من مجمل المياه المستخدمة محليا "بحسب أرقام 2003". مصادر المياه المتجددة في السعودية ــــ المياه السطحية والجوفية الضحلة ومياه الصرف المعالجة ـــ تمثل "مع مياه التحلية" ثلث مجمل المياه المستخدمة فقط. يجب التركيز على هذه المصادر وزيادة الاستفادة منها سواء مياه الأمطار أو مياه الصرف المعالجة. مياه الصرف السكني وحدها مثلا ـــ بعد معالجة 80 في المائة منها ـــ قادرة على سد كل الطلب الصناعي في المملكة! أو 10 في المائة من الطلب الزراعي الحالي. التركيز على المصادر المتجددة وتقليل ـــ أو وقف ـــ استنزاف المياه الجوفية غير المتجددة مع ترشيد الاستهلاك هو الحل الاستراتيجي والمستدام للوضع المائي المحلي.
إنشرها