استخدام التقنية .. بين نريد ولا نريد

هذا المقال هو صدى للمقال الذي كتبته قبل نحو خمس سنوات ونصف السنة من الآن في هذه الصحيفة بعنوان "لا .. للخدمات الإلكترونية"، الذي تطرقت فيه إلى ضرورة توظيف التقنية لمحاربة البيروقراطية، وفرص الفساد، والابتعاد عن العدالة في إنجاز المعاملات الحكومية. والهدف من المقال لم يكن مضادا لتوظيف التقنية كما فهمه البعض، بل كان ضد عدم اكتمال أتمتة الأنظمة بالكامل، وجعل جزء من تلك الأنظمة بأيدي العاملين الأفراد ليمارسوا ما يشاءون. وفي المقابل كثير وجدوا أن ما كتب يمثل حقيقة وأرادوا معي أن تُحل. والحقيقة إلى الآن أستطيع القول إن الأمر لم يتغير كثيرا، والأمثلة وفيرة برغم ما ينفق على تقنية المعلومات من تجهيزات وبرامج وبنى تحتية. حجم الإنفاق على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة في السنوات الماضية تجاوز مبلغ نصف تريليون ريال (2010: 75 مليار، 2011: 82.5 مليار، 2012: 94 مليار، 2013: 102.56 مليار، 2014: 111.79 مليار، 2015: 120 مليارا (التقرير السنوي لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات). هذا القطاع يعد من أكثر القطاعات نموا وأسرعها، لكن فاعلية هذا الإنفاق مقارنة بالمكتسبات لا تزال غير قابلة للمقارنة على الأقل من وجهة نظر المستخدم. هذا القطاع يعاني الهدر المالي كثيرا، خاصة في ترسية المشاريع الحكومية والتطبيقات التفاعلية التي تخدم المتعاملين. كثير من البرمجيات يعاد بيعها إلى جهات مماثلة بمبالغ عالية جدا، والبعض تتغير جميع الخطط بمجرد تغير القيادات ويتم الإنفاق بشكل متكرر دون فائدة أو محاسبة.
المواطن يحتاج إلى هذه الخدمات لتحقق له كثيرا من الفوائد أهمها القضاء على البيروقراطية، وفرص الفساد، والتنفع الشخصي من المناصب. ويحتاج إليها لإنجاز مهامه ومعاملاته دون الحاجة إلى الدخول في دهاليز العمل وأنظمته، خصوصا أن عدد مستخدمي التقنية في المملكة يتزايد بشكل كبير جدا حيث يقدر عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة حاليا بنحو 21 مليون مستخدم، وبنسبة انتشار تقدر بنحو 67,3 في المائة على مستوى السكان ("الإخبارية"، ديسمبر 2015).
الدولة تحتاج إلى هذه الخدمات لزيادة كفاءة العمل، وضبط الأداء الحكومي، والتغلب على انخفاض كفاءة العاملين، والقضاء على البطالة المقنعة، من أجل تحسين بيئة العمل والتنافسية.
ما يدعو للتفاؤل كثيرا أن اهتمامات توظيف التقنية وتفعيلها من بين أهداف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ورئيس المجلس ولي ولي العهد، الذي تحدث عنه فريدمان بقوله "مشروعه الرئيس هو لوحة قيادة للحكومة على الإنترنت، من شأنها أن تعرض أهداف كل وزارة بشفافية، بمؤشرات الأداء الرئيسة الشهرية التي سيحاسب بناء عليها كل وزير مسؤول" ("سبق" نوفمبر 2015).
تطبيق مشروع بهذا الفكر سيؤدي إلى تحسين في طرق إدارة العمل، وحوكمة القطاع العام بشفافية وعدالة، وإشراك المستفيدين في تقييم وتحسين الخدمة، وتوفير أدوات للمساءلة والمحاسبة ستقود إلى مزيد من الفاعلية في الأداء لمصلحة الأجيال المقبلة ومستقبل المملكة. ويجب أن يوازي هذا مزيد من الضبط والمركزية في المشاريع لخفض تكاليف الاستثمار المتكرر بين الجهات والوحدات المختلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي