سلمان وأحمد والحسين .. والمتعة

بعد أن تحول مدربا عقب الاعتزال قال الأسطورة الفرنسية ذو الدماء العربية: "كرة القدم، يجب أن تكون متعة قبل كل شيء، متعة لأولئك الذين يلعبون، وأولئك الذين يشاهدونها"، وزيزو لا شك في إنه أحد أهم مصدري المتعة في تاريخ كرة القدم، أنشده عاشقه الأشهر في العالم العربي الشاعر المتفرد فهد عافت:
بالصوت يا أهل الفن والصورة
ما ظل أحد ما شاف شوف العين
واحد وعشرين لعبوا كورة
وواحد لعب بالواحد وعشرين..
.. أي لاعب يستفز شاعرا مثل عافت يُشهر حرفه من يكتب عنه، ليكتب ما كتب؟ إنها المتعة.. المتعة الكروية، فما هو مفهوم المتعة بداية؟ في المعجم اللغوي تم تعريف المتعة اصطلاحا على أنها السرور. وفي التراث العربي كانت الجواري يُدعنّ سريرات تعبيرا عن التمتع، أما في كرة القدم فتعريفات المتعة مختلفة ولا تبتعد عن السرور والسعادة أيضا، وفي دراسة بحثية للمعهد الإنجليزي لكرة القدم، سُئل المبحوثين: متى تشعر بالمتعة في كرة القدم؟ أجاب الأغلبية: عندما يفوز فريقي بمستوى قوي، وأجاب البعض: لحظة تسجيل الهدف، وقال آخرون: هو شعور داخلي ليس له تفسير واضح.
متابعي ومتابعاتي الأعزاء في "تويتر" سألتهم: من اللاعب الذي يمتعك في الدوري السعودي حاليا، ذهبت الإجابات لمصلحة الشاب النحيل السعودي سلمان الفرج، ومواطنه الفريدي، والحمصي السوري جهاد الحسين، وكلها إجابات واقعية.
أما الفرج، فلاعب تشعر أن هناك حبلا سريا يربط الكرة بقدمه، لا تريد مفارقتها، شاب ماهر يغزل ويتغزل بالمدورة الفاتنة كعاشق يتلمس ثمار معشوقته الطازجة ذات لقاء مسروق خارج الزمن، عندما يداعبها بيسراه الحساسة مغرم يسرح شعر فاتنته بحنان ودعة، وحديث وصايا عشاق إلى وعد بلقاء سريع يُسمع، فيرسلها وتعود إليه بلهفة مشتاقة طائعة وكأن فيها من طبائع البشر الذين يحبون من يحسن إليهم، فيختارون صحبته، يستقبلها من جديد فتتنفس اللحظة كمُهرة تميز رائحة عاسفها عن غيره.
الشاب المدني الملتحي الفريدي، قلت له: ما هي المتعة في كرة القدم؟ أجاب: شيء يخرج تلقائيا، لا يحتاج إلى أن تتدرب عليه مثل التكتيك. سألته: ما هي متعتك في كرة القدم؟ فقال: عندما أصنع هدفا متعة، عندما أتخلص من حصار صعب بمهارة، أشعر أني فتحت أرضا جديدة لفريقي، وأشعر بالمتعة.
الفريدي، هو زيدان الكرة السعودية، فيه من كل شيء في زيدان شيء، حتى حرارة الدماء العربية، أول مرة رآه كانافارو حفيد بلاد الموضة والموسيقى التي خرّجت روسيني، قال: أسمع موسيقى في لمسته على الكرة، فأجابه محاوره مازحا: قل أناشيد حتى لا يغضب على الأقل. ولم يخطئ فابيو، ففي قدم ابن طيبة ترانيم خاصة تراها بعينك وتسمعها بإذنك ولا صوت لها، شاب يعبر الرجال على المعشب والكرة في قدميه كطفل يتشبث بكتفي أمه، هي كل عالمه، وهم كالخشب المسندة لا حراك ولا حيلة، فتى ينساب وسط غابات السيقان في الملاعب كماء يترقرق في مسارات صخرية ملتوية تعجز عن وقفه، إنه واحد من اللاعبين الذين تنسى ميولك عندما تكون الكرة في حوزته، فتلتقي الأكف بحرارة شاهدة على المشهد.
..ابن حمص الثلاثيني المخضرم جهاد، ماتع حتى مخيخة العظم، يتسلم الكرة، فيتحول الملعب الأخضر إلى سجادة أصفهانية بديعة الرسومات، يطوي الملعب طيا كالسجاد، يقصر المسافات حتى يصل غايته وهو في مكانه. أول مرة شاهدت جهاد كان عام 2008، مع منتخب بلاده ضد الصين، تلقى كرة من الظهير، ووكزها بكعبه فأكملت نصف دائرة فوق المدافع الخصم، وطقطقت كل فقرات العمود الفقري للمدافع الصيني عبثا لوقف الكرة، ولم تعد لطبيعتها إلا وجهاد يحتفل بالهدف.
..إلى كل من يلعب كرة القدم في دورينا على الأقل، كرة القدم تنافس، قوة وروح ومهارة، وفي كل ذلك متعة، ولن تصدر المتعة للآخرين في فن ما، ما لم تشعر بها قبلهم، ولا يتعارض هذا مع حسابات الفوز، العبوا الكرة للمتعة أولا، وستساعدوننا جميعا على فهم حقيقتها المحضة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي