The Program

هذا الأسبوع استقبلت السينما في دبي فيلم "The Program"، وأعتقد أن كل مهتم بالرياضة، سيحرص على مشاهدته. يحكي الفيلم قصة الدرّاج الأمريكي لانس أرمسترونج، الذي فاز بطواف فرنسا سبع مرات حولته إلى أسطورة مؤقتا.
طواف فرنسا، سباق دراجات بدأ قبل قرن وتحديدا 1903، يتضمن 21 مرحلة، يعبر فيها المتسابقون جبال البرانس، وجبال الألب، توقف الحدث الكبير مرتين بسبب الحربين العالميتين، وكان أرمسترونج أول أمريكي يفوز به، وأصغر متسابق يحصل على القميص الأصفر المخصص للبطل، وصاحب الرقم القياسي في الفوز بـ"الأصفر"، قبل أن يجرد من كل ألقابه عام 2012، بسبب فضيحة المنشطات التي هزت أركان الرياضة العالمية كلها.
بدأ لانس أرمسترونج مشواره الاحترافي عام 1992، وتوقف فجأة بعد أربعة أعوام بسبب إصابته بالسرطان في الرأس، فأحدث الخبر صاعقة في أوساط محبيه، وأحاطه بمشاعر فياضة من العواطف من كل مكان في العالم. خضع لعملية جراحية لاستئصال الورم من رأسه وجلسات كيميائية قاسية، وخرج منها جسدا نحيلا مهزوزا، يطرق باب الدكتور فيراري الذي علمه طريقة فعالة دقيقة تحميه من انكشاف أمره في اختبارات المنشطات.
كان فيراري يأخذ كيس دم نظيف من أرمسترونج قبل تناوله المنشط، ويضعه في الثلاجة في عربة فريقه، ثم يتناول العقار المحظور، وينتصر في السباق، ويعود للعربة سريعا لحقن نفسه بدمه السابق مع كيس آخر من الأملاح وفق أرقام دقيقة تلغي المنشط من دمه وعينة بوله - أكرمكم الله- خدعة علمية يفلت بها كل مرة، وعندما يفلت الدراج من الاختبار فإنه لا يخضع له قبل فترة ليست بالقصيرة.
..ورغم اتهامه بالمنشطات رسميا، في تحقيق صحافي نشرته ساندي تايمز استنادا إلى شهادة عاملين سابقين في فريقه، إلا أنه نجا أيضا لانتفاء الدليل الملموس، وبحكم قضائي رسمي، كلف الصحيفة دفع خمسة ملايين دولار تعويضا، وفي القضية أيضا، استغل لانس مشاعر العامة بخدماته الإنسانية العظيمة في جمعيته المحاربة للسرطان التي أنشأها بعد شفائه منه.
اعتزل أرمسترونج وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، لكنه لم يستطع الانفكاك عن حياة الشهرة والأضواء والمال، كان ذلك إدمانا يفوق العقار في دمه، فعاد بعد عامين لحلبة السباق دون أن يفوز بسباق واحد وقرر مجددا الاعتزال، ولاحقته تهم المنشطات من جديد، فخرج مع أوبرا وينفري، معترفا أنه حقق كل الألقاب بعد تناوله عقاقير طبية محظورة، وسقطت أسطورته في الوحل.
بالعودة لنشأة أرمسترونج، يكتشف المتابع حياة بائسة لطفل انفصل أبواه، كان يريد أن يكون بطلا، صدم بحديث مدربه الأول حين فحص جسده وقوته، وقال: "لا تستطيع أن تكون بطلا، قدرات جسدك ستخونك بعد الجولة الثانية في السباق، هذه قدرات يهبها الرحمن للبعض، لست منهم، ولديك مشوار طويل جدا لاكتساب ذلك"، فقرر أرمسترونج اختصار الطريق والاستعانة بقدرات أخرى، وصنع تلك الأسطورة الوهمية الكاذبة.
قصة أرمسترونج، مثال واضح وجلي لمقولة: "ومن الطموح ما قتل"، لا يمكن أن تكون لاعب كرة قدم رائعا، لمجرد أنك تتمنى ذلك وبلا عمل جاد، ولا تستطيع أن تكون رئيس ناد ناجحا لمجرد أنك تملك فريقا جيدا بلا خطط إدارية واضحة وتمارس الأخطاء ذاتها، ولا تستطيع أن تكون مدربا ناجحا لمجرد أنك لاعب سابق رائع، ولا تستطيع أن تكون إعلاميا ناجحا تمارس فهلوة تعجب الصغار، ويحتقرها الاختصاصيون. كل هؤلاء قد ينجحون مؤقتا، ولا يصنعون بطلا حقيقا. يمكن أن تخدع الناس سنوات ولا يمكن أن تخدعهم على الدوام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي