لا تحارب نفسك

هاتفتني إحدى الصديقات التي لم أسمع صوتها منذ أمد بعيد، وكانت، كما تقول، محبطة لأنها بحثت لإحدى بنات صديقتها عن وظيفة من فئة (الاسم مقابل المال) أو ما بات يعرف بـ "السعودة الوهمية"!
صدقا، استغربت حماسها في الحديث عن خيبة الأمل في الآخرين، وعدم إدراكهم المسؤولية الاجتماعية!، لأجدني مدفوعة بفتح باب الأسئلة وليس المواساة كما كانت تعتقد أني سأرشدها للحل.
قلت لها: أليست تنمية المجتمعات في شبابه؟ أليسوا هم بوصلة المستقبل وهدف كل خطة تنموية، وكل قرار يهدف للرفاهية الاجتماعية؟
تابعت وهي صامتة: أليس ملف "البطالة" في الجنسين أحد الملفات التي تحاول بعض الحملات الوافدة استثمارها لمصلحتها في حرب السياسة؟.. لترد: نعم. قلت حينها: إذن كيف يحارب المجتمع نفسه بتحويل مئات الآلاف من الشباب لمجرد أسماء في قائمة التأمينات الاجتماعية، ونسعى للوساطات بحثا عن وظيفة وهمية، ونزرع في شبابنا فكرة التحايل على القوانين، ثم نخرج في الصباح التالي لنتحدث في مؤتمر أو قناة تلفزيونية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لننتقد خطط توليد الوظائف وبرامج التأهيل والتدريب ومعدلات التوظيف السنوية؟!
هذا الحوار الهاتفي، هو بلا شك يدور بشكل أو آخر في مجالس أخرى في السعودية، إنما المشكلة أن التعاطي معه يظل مرهونا بمسألة الوعي بقضايا المستقبل، ويجب ألا يكون حوارا كالذي يدور بين مشجعين متعصبين لفريقيهما، بل يجب أن يرقى للسؤال الأهم: هل ندرك أننا نخوض حربا ضد أنفسنا حين نقتل الطموح والإرادة لشبابنا ونتفرغ للبحث عن واسطات لهم من أجل مبلغ شهري زهيد؟!.
أتصور أن فاتورة المستقبل ضدنا ستكون باهظة جدا حين نكتشف أننا أسهمنا في أكبر عائق تجاه التنمية وأننا جعلنا من ملف "السعودة" مسرحية هزلية، أبطالها شركات وأفراد ومستفيدون!
أشعر بألم كبير، أننا نتعامل مع أنفسنا بهذه القسوة، ونعتقد أن من ينتقد ملف "السعودة الوهمية" هو شخص لا يشعر بمعاناة الشباب!. بينما في المقابل تكتظ عشرات المقاهي في المدن السعودية بأولئك الموظفين الوهميين حتى الساعة الثانية فجرا، دون أن يكون للوقت أو القراءة أو التعلم أو البحث، مكان في أبجدية الكثير منهم.
من يريد العمل، عليه أن يحترم كل فرصة تأتيه ويناضل من أجلها، وأن يتذكر أن ديننا الإسلامي وقيمنا الحضارية، كانت ولا تزال تحترم من يعمل بشرف وأمانة، وتحتقر من يعتقد بأن الفرصة ستأتيه واسمه مسجل فقط على قائمة إحدى الشركات المتحايلة، ليصبحوا شركاء في التحايل، لا شركاء في التنمية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي