Author

الاستدامة .. بين «الواقع والمجهول»

|
أمس، فاجأني محرك البحث الشهير "جوجل" أن عدد الروابط المهتمة بمصطلح "الاستدامة" باللغة العربية يقارب المليون رابط، في وقت لا تجد فيه حضورا للشركات العربية في مؤشرات الاستدامة كمؤشر "داو جونز للاستدامة" من أي شركة سعودية أو عربية، وكأننا نعيش في كوكب آخر لا نتحمل فيه أي مسؤولية أبدا تجاه حياة الأجيال القادمة على كوكب الأرض. حاولت للوهلة الأولى تفهم الأمر في سياق أننا دول نامية بالكاد تشم رائحة "الحوار المدني" حول قضايانا الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، لكن دولا أخرى في هذا العالم الذي نتشارك "ناميته" وجدت لها مكانا في سباق المستقبل نحو تنمية حقيقية مستدامة. إذن؛ كل هذا الحديث "التنظيري" في مؤتمراتنا ومنتدياتنا الكبرى: لمن؟! نعم لمن طالما نحن أبعد من أن يرانا مجهر التقييم المسؤول، ونجد لأعمالنا وسما على جسد الاستدامة. هنا، أشير لمسألة مهمة تتعلق بمئات الفعاليات والمؤتمرات، وهل كانت مجرد "نسمع جعجة ولا نرى طحنا" أم أن مؤشرا عالميا يغطي أفضل 2500 شركة حول العالم، ويخضع 10 في المائة منها لتحليل دقيق على المدى الطويل وفق معايير متنوعة مثل الأداء الاقتصادي، والبيئي، والاجتماعي، والشفافية، وحوكمة الشركات، وإدارة المخاطر، والعلامة التجارية، وكفاءة الموارد، وحقوق الإنسان، والسلامة، ويعمل باستقلالية تامة، يستقصدنا كمجتمعات أعمال ومؤسسات مجتمع مدني، وحكومات عربية، وفق نظرية المؤامرة التي باتت ردا "معلبا" في وجه كل دراسة أو بحث أو مؤشر قادم من بلاد العم سام! السؤال الذي ربما يثير حفيظة البعض أو يصيب البعض الآخر بالاكتئاب: لماذا لانفعل ما نقول؟ أين هي أزمتنا الحقيقية: المصطلح، التطبيق، التشريعات، الشعور بالمسؤولية؟ شخصيا: أعتقد أن الأسباب كلها مجتمعة، بل إني أخشى أن يقترح أحدهم: إقامة مؤتمر دولي لمناقشة أسباب غياب قطاع الأعمال في بلداننا عن حوار "التنمية المستدامة"!، وأن ينبري آخر لاقتراح موضوع المؤتمر تحت الأيقونة الشهيرة: الاستدامة بين الواقع والمعقول!.. وإن حدث ذلك حتما سيكون المعنى الحقيقي للحوار هو: الاستدامة بين الواقع والمجهول! المهم في القول إن دراسة أصول الشركات وتقييمها لم تعد كالسابق تقوم على أمور مالية صرفة، بل أصبحت مفردات الاستدامة تدخل في صلب التقييم وفق محددات فنية وتقنية يعرفها جيدا المستثمرون أصحاب الأنوف التي تشم رائحة النقود جيدا وتعرف بتلك الحاسة التفريق بين شركة وأخرى مهما بدت القوائم المالية مغرية وجذابة. ما يثير الدهشة حقا هو أن شركات كبرى في بلداننا العربية، كالمصارف وشركات الاتصالات، تحاول أن تنأى بنفسها تماما عن هذا الحوار العالمي "المستدام" وكأنها بقوائمها المليارية تعيش حالة من ما يسمى "النرفانا" لكنها حتما ستجد نفسها يوما في موقف حرج.. حينها ستعرف أنها أهدرت الكثير من الوقت لتفهم الدرس، وأن ساعة الزمن لا تعود للوراء أبدا!
إنشرها